تتنامى ظاهرة العنف المدرسي بشكل متزايد في الفترة الأخيرة، حيث يتم استخدام القوة الجسدية أو اللفظية أو النفسية أو الاجتماعية من قِبل الطلاب أو المعلمين أو الإدارة المدرسية ضد الطلاب أو بين الطلاب أنفسهم. ويمكن أن يتنوع العنف من السلوكيات اللفظية البسيطة إلى الاعتداءات الجسدية الخطرة. ويمثل العذْل بشكل عام استخدام القوة أو التخويف بالقوة لتحقيق أهداف معينة أو لإيذاء شخص آخر، كما يمكن أن يظهر في العديد من الهيئات، بما في ذلك العنف الجسدي مثل الضرب أو اللكم، والعنف اللفظي من خلال التهديد بالكلمات القاسية، والعنف النفسي كالتنمر والإهانة، والعنف الجنسي مثل التحرش والاعتداء الجنسي، والعنف الاقتصادي بالاستغلال المالي والاقتصادي.
فوق ذلك، قد ينتج البأس من مجموعة عوامل، بما في ذلك الثقافة والتربية والظروف الاجتماعية والاقتصادية. لذا، فان توعية الناس حول آثاره الضارة هي من الأولويات للعديد من المجتمعات والحكومات في جميع أنحاء العالم، وتترجم وجوه العنف المدرسي بالآتي:
1. العنف الجسدي: يضم ضرب الطلاب أو التعدي عليهم بشكل جسدي، مما قد يتسبب في إصابات جسدية.
2. العنف اللفظي: يتضمن الكلمات القاسية، التهديدات، السخرية، والإهانات التي تستخدم ضد الطلاب.
3. العنف النفسي: يشمل التنمر والتعريض للإهانة والاستخفاف بشخصية الطالب، مما يؤدي الى اضطراب نفسيته وصحته النفسية.
4. العنف الاجتماعي: يشمل عزل الطلاب عن الآخرين والتشهير بهم، وإقصاءهم من الأنشطة الاجتماعية.
5. العنف الجنسي: يشمل أي تحرش أو اعتداء جنسي يتعرض له الطلاب داخل بيئة المدرسة.
قصة الطفل المعنف
وفي هذا المجال، روت والدة الطفل المعنف السيدة ريتا قباني عطا الله لـ “الديار” قصة التعنيف الذي تعرّض لها ابنها في المدرسة، فقالت: “انا والدة هذا الطفل الذي عُنف، وانا أيضا عضو بلجنة الأهالي في المدرسة، ولا اقبل ان يتعرض أي طفل للتعنيف الذي اصبح يمارس بوتيرة متصاعدة في هذه المؤسسة. وكان ابني الذي يبلغ من العمر 5 سنوات روى لي ما جرى معه، وهناك عدد كبير من التلاميذ الذين شاهدوا الواقعة الى جانب احدى المعلمات”.
اضافت: “لن اذكر أسماء حاليا حرصا على مصلحة اولادي، الذين يتابعون تحصيلهم العلمي في المدرسة نفسها. لذلك لا اريد تعريضهم للخطر، وانا بانتظار اجتماع يعقد مع “الريسة”، وعلى أساسه يتم البت في هذه المسألة. ونحن كلجنة الأهالي بصدد تقديم شكوى في وزارة التربية ضد هذه المربية، التي كانت تعمل في عدة مدارس مهمة كـ “الشانفيل”، وتم طردها للأسباب نفسها”. وختمت “المربية وضعت ابني على الأرض، وقامت بـ “الدعس” على رقبته بدم بارد، وبالتأكيد لن اسكت”.
تعددت الاحتمالات والتقبيح واحد
بالموازاة، اشارت الاختصاصية النفسية غنوة يونس لـ “الديار” الى “ان مثل هذه الأشكال من القساوة، تؤثر سلبا في تجربة الطلاب في المدرسة وتحصيلهم الدراسي ونفسيتهم العامة، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر. والمطلوب من المدارس والمجتمعات وضع استراتيجيات للحد من العنف المدرسي، وتعزيز بيئة تعليمية آمنة وداعمة لجميع الطلاب. وأضحت هذه الحالة من أكثر صور البأس انتشارا وخطورة على صحة وسلامة الأطفال”.
اضافت: “وترتكز الطرق التي يعتمدها الأساتذة في تأنيب التلامذة على الظروف والسياق الذي يحدث فيه التعنيف مثل:
– العقاب الجسدي: يتضمن ضرب الطفل، أو تقييده بإحكام، أو إلحاق الأذى الجسدي به بطريقة مباشرة.
– الانتقاد اللفظي القاسي: يشمل السخرية من الطفل والإهانة، والتحدث إليه بشكل ذليل أو مهين.
– الإهمال العاطفي: يشمل عدم تلبية احتياجات الطفل العاطفية، وعدم اعطاء الرعاية والاهتمام الكافيين له.
– التهويل: يمكن أن يستخدم الأساتذة التهديدات لترهيب الطلاب، مثل التوعّد بالعقاب الجسدي أو اللفظي.
– الإهمال الصحي: يمكن أن يكون تجاهل احتياجات الطفل الصحية أيضا علامة من علامات التعنيف”.
وتابعت “تعتبر هذه الأساليب من التصرفات غير الصحية، والتي قد تلحق الضرر النفسي والجسدي بالصغار. لذلك ينبغي للمجتمعات والمؤسسات التي تعنى بحقوق الطفل تعزيز برامج التثقيف والتوعية، للحد من هذه الظاهرة وتشجيع بيئة تعليمية آمنة وداعمة لجميع الأطفال”.
أسباب غير مبرة
من جهتها، اوضحت الباحثة في مجال علم الاجتماع الدكتورة يمنى ياسين لـ “الديار” ان “تعنيف الأطفال من قِبل المعلمين أو المربيات، يمكن أن يكون نتيجة لعدة عوامل، منها:
– انعدام السلطة: قد يشعر بعض المعلمين بعدم القدرة على السيطرة على الصف أو إدارة السلوكيات السلبية، مما يجعلهم يلجؤون إلى العنف كذريعة للتحكم.
– نقص التوجيه السليم: قد يفتقر بعض المعلمين إلى التدريب الكافي، في كيفية التعامل مع سلوكيات الأطفال بشكل فعال، مما يؤدي إلى استخدام العنف كوسيلة لتصحيح الاداء.
– التوتر والضغوط: قد يكون التوتر النفسي والضغوط الناتجة من ضغوط العمل والمسؤوليات الكثيرة، عاملاً في تفاقم تصرفات المعلمين.
– طريقة التربية: قد يعاني بعض الأساتذة من تجارب سيئة في التربية، مما يجعلهم ينقلون هذا النمط إلى الأولاد.
اضافت “قد لا يدرك بعض المربين/ات التأثيرات النفسية السلبية للعنف، وبالتالي يستخدمونه دون وعي بالآثار الضارة التي يمكن أن يسببوها. وهذه العوامل تؤدي إلى تعنيف الأطفال من قِبل المعلمين، وبالرغم ن ذلك يجب أن يتم التعامل مع هذه القضية بحساسية وفهم للسياق الكامل والعوامل المحيطة بها”.
العنف بلغة الارقام
في موازاة ذلك، هناك إحصائيات وأبحاث تقدم بعض الأرقام حول تعنيف الأطفال، وفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية واليونيسف، ويعتبر تعنيف الأطفال مشكلة عالمية تؤثر في ملايين الأطفال سنويا. وهذه بعض البيانات العامة:
– العقوبة الجسدية: يقدر أن حوالى 300 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 2 و4 سنوات يتعرضون سنويا للعقوبة الجسدية من قِبل أحد الوالدين أو كليهما او في المدارس.
التعنيف الجنسي: يعتقد أن حوالى 15 مليون طفل في العالم يتعرضون سنويا للتعنيف الجنسي.
– الاستغلال الاقتصادي: يعمل حوالي 152 مليون طفل في العالم، وهذا نوع من التعنيف الاقتصادي.
القوانين اللبنانية “معلّقة”
الى جانب ذلك، أكد المحامي عبادة لـ “الديار” ، وهو يزاول مهنة التعليم في احدى المدارس، “ان هناك العديد من القوانين واللوائح التي تنظم مسألة حقوق الأطفال وتعنيفهم في لبنان، منها:
– الدستور اللبناني: يضمن في مادته 38 حفظ حقوق الطفل وحقه في الحياة والرعاية الكاملة، وينص على ضرورة حمايته من التعذيب والعنف والاستغلال.
– قانون حماية الطفل رقم 422/2002: يعتبر هذا القانون أحد القوانين الرئيسية التي تنظم حماية الطفل في لبنان، وينص على حقوق الطفل وواجبات الدولة تجاهه، ويشمل حقه في الحماية من جميع أشكال العنف والتعذيب والاستغلال.
– القوانين الجنائية: تنص على عقوبات صارمة لأي شخص يقوم بتعنيف الأطفال، سواء كانوا معلمين أو غيرهم.
– القوانين التربوية: تنظم اللوائح التربوية في لبنان سلوك المعلمين، وتحدد حدود التفاعل مع الطلاب، وتحث على استخدام الطرق التربوية الإيجابية بدلاً من العقوبات القاسية.
واشار المحامي ان “هذه القوانين واللوائح تهدف إلى حماية حقوق الأطفال، ومنع أي تعنيف أو انتهاكات تجاههم، وتضع آليات لمعاقبة المرتكبين في حال حدوث ذلك”.
ندى عبد الرزاق- الديار