إسرائيل قادرة على تعطيل المطار إلكترونياً وأكثر: ما العمل

يُنقَل عن عالِم الفيزياء النظرية وعِلم الكون، ستيفن هوكينغ، قوله إن “شكل الحياة الوحيد الذي أنشأناه حتى الآن، مدمِّرٌ تماماً”، وذلك في معرض وصفه التأثير السلبي للكم الهائل من التطور المعلوماتي والتقني الذي بات بحوذة البشر. ولا يعني ذلك رفضه التطوّر التكنولوجي بحدّ ذاته، بل ينبع وصفه من أن العالم اليوم “تملؤه الفوضى السياسية والاجتماعية والبيئية”. وعليه، يتساءل هوكينغ عمّا إذا كان “الجنس البشري سيتمكّن من الدَوام لمئة عام أخرى في ظل هذه الفوضى”.
والمؤسِف، أن أبرز المعدّات التكنولوجية تطوّراً، هي اليوم بيَد أكثر الدول توليداً ودعماً للفوضى والحروب والأزمات الاقتصادية والمعيشية والبيئية. ولا تخرج إسرائيل من دائرة التصنيف هذه، إذ أنها إحدى الجهات المتفوّقة في التكنولوجيا العسكرية في المنطقة والعالم، سيّما تكنولوجيا المعلوماتية التي تمكِّنها من اختراق الأجهزة الإلكترونية لخصومها، والتشويش على عملها أو حتى السيطرة عليها والتحكّم ببعضها. الأمر الذي يعرّض الأمن القومي لأي دولة أو جهة تخوض مواجهة مع إسرائيل، ما لم تكن محصَّنة هي الأخرى بتكنولوجيا مناسبة.

التشويش جزء من الحروب
يلعب التشويش أدواراً مهمة في الحروب، منها بشكل أساسي إعاقة أو حجب اتصالات جيش ما، بين أفراده أو مع قياداته، أو إعماء الرادارات عن كشف حركة الطائرات أو الصواريخ.

ومن جانب اقتصادي، يعطِّل التشويش الأجهزة الإكترونية اللاسلكية، ومنها أجهزة الاتصالات والانترنت وأنظمة الملاحة البرية والبحرية والجوية، إذ تتّصل كلّها بالأقمار الاصطناعية وتُنتِج أو ترسل أو تتلقّى بياناتها عبر تلك الأقمار. وبذلك، تتفاوت التأثيرات الاقتصادية للتشويش، من عرقلة مصالح الأفراد والمؤسسات الصغيرة، وصولاً إلى مرافق الدولة وعلى رأسها المطارات والموانىء البحرية وحركة التجارة البرية، بنسبة أقل.
واستُعمِلَ التشويش بكثرة خلال الحرب العالمية الثانية وأثناء الحرب الباردة. ووصولاً إلى اليوم، لا تكفّ الأجهزة الإسرائيلية عن إضعاف وحجب الإشارات اللاسلكية المتنقّلة من وإلى الأقمار الاصطناعية، حاملة البيانات المطلوبة لتسيير شؤون الأفراد والمؤسسات والدول. ومع بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان في أعقاب الحرب على قطاع غزّة، منذ تشرين الأول 2023، يبدو بوضوح تأثير التشويش على تراجع خدمات الاتصالات والانترنت، لكن أن يصل الأمر إلى انعكاس ذلك على حركة الملاحة الجوية في مطار بيروت، فهو أمر بالغ الخطورة.

لا خطر على الملاحة
يحصل التشويش نتيجة إرسال باقة من الإشارات اللاسلكية بترددات مختلفة، من مكان معيّن وتركيزها على الموجة نفسها في بقعة أخرى، ما يشكّل تزاحماً في الترددات المشابهة، فلا يعود الجهاز المقصود، قادراً على تمييز المعلومة على الموجة الأصلية التي يريدها. ولتبسيط الأمر، إذا كان أحدهم ينتظر رسالة أو توجيهاً أو أمراً معيّناً من طرفٍ ثانٍ، عبر موجة بتردّد 5000 ميغاهيرتز، يدخل الطرف الثالث على التردّد نفسه، ويرسل إشارات بكميات هائلة تعرقل تواصل الطرفين الأول والثاني، إما بالإرسال أو الاستقبال. وعليه، فإن التشويش هو نتيجة نهائية لعملية اختراق موجات لاسلكية معيّنة.

يقوم العدوّ الإسرائيلي خلال فترة الحرب الراهنة، بتركيز إشارات كثيرة نحو مراكز لبنانية حيوية، من ضمنها المطار وشبكات الاتصالات. وحذّرَ وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية من التشويش الإسرائيلي على مطار بيروت، والذي حذّرت منه الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران EASA من ضمن تحذيرٍ عام تناول منطقة شرقي البحر المتوسّط. ورأت الوكالة في 6 تشرين الثاني 2023 أن التشويش وانتحال نظام تحديد المواقع GPS في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، وتفرض بالفعل خطراً ناشئاً على جميع شركات النقل الجوي بما في ذلك الشركات الأوروبية”.
ولذلك، أبلَغَ حمية سفيرة الاتحاد الأوروبي ساندرا دو وال، مخاطر التشويش الإسرائيلي على المطار، وطالبها ببذل دول الاتحاد الأوروبي الجهود لاتخاذ تدابير جذرية لإزالة هذا الخطر البالغ على سلامة الطيران في المنطقة برمته، وذلك خلال مشاركتها في مؤتمر تحت عنوان “دعم سلطات الطيران في لبنان في مجالي السلامة والأمن”، في المطار، مطلع الشهر الجاري.
رغم التحذيرات من تأثير التشويش على حركة الملاحة الجوية، إلاّ أن مصادر في وزارة الاتصالات، تقرّ في حديث لـ”المدن”، بالخطر المحتمل للتشويش “لكن حتى الآن ما زالت الأمور تحت السيطرة ولم يصل التشويش إلى حدّ تهديد حركة الاتصالات والانترنت أو التأثير على حركة الملاحة الجوية، إذ لم يخترق العدوّ الإشارات المستعمَلة بين برج المراقبة في المطار وبين الطائرات”. وتشير المصادر إلى أن القلق يبدأ حين “يقترب العدوّ من الإشارات المستعملة في المطار، فيعرقلها ويعطِّل تجاوُب الطائرات مع برج المراقبة، أو يعطيها معلومات خاطئة”.
وتستبعد المصادر تخطّي الوضع القائم لأن “التشويش سيف ذو حدّين، إذ يمكن للبنان التشويش على المراكز والأجهزة الإسرائيلية. كما أن التشويش الإسرائيلي على مطار بيروت يهدّد سلامة الطيران الدولي، بما في ذلك طيران دول صديقة لاسرائيل، ما يستتبع أزمات دولية لا تريد إسرائيل خوضها”.
أما تحذيرات وزير الأشغال، فهي “أمر طبيعي. لأن ما يحصل يتعلّق بجانب أمني يفترض التحذير منه قبل حصوله، ويندرج ذلك ضمن خانة الحماية المسبقة”.
بالتوازي، يمكن للتشويش أن يصيب حركة الملاحة البحرية، وإسرائيل لديها القدرة على شلّ تلك الحركة. لكن النائب الأول لرئيس الاتحاد العربي لغرف الملاحة البحرية، إيلي زخور، يطمئن أن استهداف البواخر بالتشويش مستَبعَد. لكن في جميع الأحوال “المخاطر المتعلّقة بالسفن، لا تُزن مع المخاطر المحدقة بالطائرات. فإذا تمّ التشويش على سفينة ما، سيعمد قبطانها إلى إطفاء جهاز التتبُّع، ويُخفي السفينة عن الرادار، فيعطِّل الهدف من التشويش. ويمكن للسفينة البقاء في البحر إلى حين انتهاء التشويش، لكن ماذا عن الطائرات، هل يمكن لقبطان الطائرة البقاء في الجوّ لفترات طويلة جداً؟ ففي البحر لن تغرق السفينة، أما في الجوّ فستقع”. ولذلك، لا خطر على الملاحة البحرية.

تقرّ المصادر بأن إسرائيل تملك الإمكانيات لإعماء وشلّ حركة الأجهزة اللبنانية. ولذلك على لبنان التحرّك رسمياً نحو التحذير الدولي من مغبّة تفاقم التشويش ودخوله مرحلة الخطر، لأنه سينعكس على عمل الشركات الخاصة والمؤسسات الأمنية ومرافق الدولة. وتلفت المصادر النظر إلى أن التشويش موجود في لبنان منذ عقود، ولا يقتصر على الدور الإسرائيلي الذي يتزايد في أوقات النزاعات والحروب. وترى المصادر أن حدود التشويش الإسرائيلي، رغم الامكانيات التقنية الهائلة، “لن تتخطّى مرحلة الإزعاج والتهديد”.

خضر حسان – المدن 

Exit mobile version