بين كلّ ما يحصل على جبهة الجنوب والتطوّرات الميدانية والغارات الإسرائيلية وتصفية قيادات من “حزب الله”، يأتي ردّ “الحزب” بصواريخ بركان أو بالأسلحة المناسبة. الردّ يأتي، إلّا أنّ المواقع التي يقصفها باتت بحكم المتوقّعة والمكرّرة على عكس إسرائيل.
تحكم الجغرافيا الاستهدافات التي ينفذها “حزب الله” وهذا لا يسجّل له كنقطة ضعف. صحيح أنّ لدى “الحزب” بنك أهداف كبير في الداخل الإسرائيلي “إلّا أنّه يتأنّى في تنفيذ ضرباته على المستوطنات والمواقع العسكرية من مزارع شبعا إلى الناقورة ضمن نطاق يصل إلى 10 كلم عمقًا”. ويؤكّد العميد الركن د. هشام جابر، في حديث لموقع mtv، أنّ “ضربات حزب الله تُزان في المكيال قبل تنفيذها، ورغم أنّه وسّع قليلًا نطاق قصفه إلّا أنّه يتجنّب ضرب حيفا وغوشتان وتل أبيب، لما سيكون لها من ارتدادات سلبية عليه واعتباره المبادر في الحرب”.
إلى الجغرافيا، تتفوّق إسرائيل في مجال تنفيذ الاغتيالات من ناحية الإمكانات والمسيّرات والأقمار الاصطناعية وداتا المعلومات ولا إمكانيّة لـ”حزب الله” للردّ بالمثل على هذا الصعيد.
في حصيلة صدرت عن الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء 12 آذار، أعلن أنّه استهدف نحو 4500 هدف تابع “لحزب الله” خلال الأشهر الـ5 الماضية في لبنان وسوريا، وعدد الأهداف في ارتفاع مع استمرار المواجهات على الحدود. كما سجّلت وزارة الصحة اللبنانية 1225 إصابة و316 حالة وفاة في تقرير أصدرته في 20 آذار. لكن ما لم تذكره إسرائيل في إحصائها أنّ “الحزب” وضع الشمال الإسرائيلي في حالة استنفار كامل ودفع بالقيادة العسكريّة إلى رفع عديد عسكرها وإجلاء أكثر من 100 ألف مستوطن. ويقول جابر: “قصف المواقع العسكرية نفسها مرارًا هو لكونها غير فارغة رغم الدمار الذي قد يكون لحق بها، إضافة إلى أنّ الحفاظ على هذه المعادلة يضع ضغطًا على إسرائيل التي تعاني من أزمات وتحاول بالغارات والاغتيالات والتدمير للقرى الجنوبية أن تفرض إيقاعها وشروطها في المفاوضات الدبلوماسيّة”.
ترتفع الأصوات الإسرائيلية، خصوصاً من اليمين المتطرف، مطالبة بانتهاز فرصة وجود قوات ضخمة من الاحتياط، على الحدود الشمالية، لتوجيه ضربة رادعة لـ”حزب الله” والمحور الإيراني. كما في حسابات نتنياهو فإنّه بحاجة إلى ما يعيد له الاعتبار في الداخل الاسرائيلي. يستبعد جابر حاليًا هكذا ضربة إسرائيلية، لكنّه يصف ما يحصل بأنّه محاولة إسرائيليّة لاستدراج “حزب الله”. ويوضح: “ليست كل الأهداف التي تقصفها إسرائيل أهدافًا عسكرية فهناك أهداف مدنية، وإمّا هذه الضربات تكون خاطئة أو مقصودة علمًا أنّ هذه الضربات لا تنمّ عن جهل من قبل الاستخبارات إنمّا هدفها الإيذاء وتحريض الناس على حزب الله”. وإذ يشدّد إلى أنّه “هنا بيت القصيد بكل ما تقوم به إسرائيل”، يلفت إلى أنّ “لا مصحلة لحزب الله بكلّ هذا لأسباب عدة منها عدم رغبته بأن يسجّل التاريخ عليه أنّه هو من أشعل حربًا عالمية، إضافة إلى أن أحدًا في لبنان لا يريد الحرب وبيئة “الحزب” منهكة أصلًا ومن يقف معه اليوم سيتخذ موقفًا معارضًا إذا ما أقدم “حزب الله” على عمل يستدرج حربًا شاملة”.
تقرّ إسرائيل بأنّ قدرات “حزب الله” تضاعفت ولذلك تحسب ألف حساب قبل الإقدام على أي عمل عسكرّي كبير. ويشرح جابر أنّه بعد 5 أيّام من فتح الحرب ستضطر إسرائيل لطلب دعم إميركي وأي نجدة عسكرية أميركية سيلحقها انخراط عربي وإيراني. ورغم ذلك كلّه، لا يستبعد جابر حربًا على “حزب الله” خصوصًا أنّ “أي حكومة إسرائيلية لن تنام على حرير في ظل وجوده على حدودها”.
يسعى كلّ من إسرائيل و”حزب الله” إلى فرض هيمنته الإستراتيجية عملًا بنظرية “اللعبة” عبر تحليل تصرفات الفريق الآخر واستباق ما قد يقدم عليه، وكيف يمكن أن يستفيد منها لمصلحته أو لأذية الآخر. فإلى من ستكون الهيمنة؟ وهل بالطرق العسكرية أم الدبلوماسية؟
مريم حرب – موقع mtv