هل من أزمة لبنانية – قبرصية “حصرية” أم تتعداها الى الإتحاد الاوروبي

عشية الزيارة المقررة غدا للرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس الى بيروت تعددت السيناريوهات التي تحاكيها في توقيتها وشكلها ومضمونها وتوسعت معها دائرة التكهنات حول خلفياتها من التصور القائل ان لبنان على ابواب أزمة ديبلوماسية وربما امنية مع “الجزيرة – الجارة” وصولا الى الحديث عما هو أبعد من ذلك للحديث عن احتمال أن تتفاقم وتتناسل لتتحول مع دول الاتحاد الأوروبي، باعتبار ان الجزيرة حريصة على انتسابها الى دول الاتحاد ضمانا لأمنها القومي ومن اجل الحفاظ على حجم الشراكة مع الدول الـ 26 الاخرى فيه. شراكة وفرت لها الكثير من الضمانات على كل المستويات منذ ان تم تقسيم الجزيرة بالقوة العسكرية التركية التي فصلت جزءا من شمالها عن جنوبها من دون ان ينال الجزء الانفصالي منها حتى اليوم أي اعتراف دولي خارج علاقات مسؤوليه المميزة مع النظام التركي الذي حول جزءا منها الى قاعدة بحرية عسكرية.

وبعيدا من بعض الروايات التي نسجت حول الزيارة قالت مراجع ديبلوماسية وسياسية لبنانية تتابع بدقة شكل العلاقات القائمة بين دولتي لبنان وقبرص لـ “المركزية” ان هناك برامج تعاون مع الجزيرة على أكثر من مستوى سياسي وامني وديبلوماسي شابته بعض الخلافات في المرحلة الاخيرة التي تلت الخلافات حول ترسيم الحدود البحرية بين المنطقتين الاقتصاديتين لهما على خلفية اعتراض لبنان على ما انتهت إليه مفاوضات العام 2007 بينهما بحثا عن تقسيم الثروات النفطية والغازية المتشابكة في شرق البحر المتوسط بعدما انطلقت عملية الترسيم من نقطة خاطئة ادت الى الترسيم البحري الحدودي بخط غير مقبول لبنانيا.

واضافت المراجع عينها: كان من الطبيعي ان تنشأ ازمات وإشكاليات أخرى بين وقت وآخر، خصوصا في اعقاب الحرب السورية وما رافقها من موجات نزوح السوريين الى لبنان ومنها الى الأراضي القبرصية عبر البحر وغيرها من دول شمال المتوسط كاليونان وايطاليا وجزيرة مالطا والتي تفاوتت في احجامها طيلة السنوات الاخيرة ولا سيما منذ العامين 2015 – 2016 عندما اقتربت المجموعات المسلحة التابعة لـ “الدولة الاسلامية في العراق وسوريا” المعروفة بـ “داعش” من الحدود اللبنانية – السورية بعد سيطرتها على مواقع متعددة في القلمون الأوسط والشمالي وبعدما دفعت بها الهجمات التي شنتها قوات النظام السوري والمجموعات الحليفة له وفي مقدمها “حزب الله” من الداخل السوري باتجاه الأراضي اللبنانية، قبل تطهيرها من قبل الجيش اللبناني في عملية “فجر الجرود” التي انتهت في 27 آب من العام 2017 بعد أحد عشر شهرا تقريبا في عملية عسكرية واسعة اعقبت التدخل الروسي في الأراضي السورية بداية تشرين الأول العام 2016 والذي انتهى بابعاد المسلحين عن الساحل السوري على المتوسط باتجاه وسط البلاد وشمال غربها باتجاه الحدود التركية.

وتضيف المراجع لتقول: لم تكن الإشكاليات السابقة تستأهل الموقف القبرصي المتشدد الذي عبرت عنه في الاسابيع القليلة الماضية، بعدما تكثفت اعمال تهريب المهاجرين اليها من الشواطىء اللبنانية وتمنع لبنان عن اعادتهم الى اراضيه التي قصدوها في المرحلة الأولى من نزوحهم وهجرتهم، طالبا تطبيق القوانين التي تفرض اعادتهم الى دولهم الاساسية لمجرد وصولهم الى دولة ثالثة هي قبرص في مثل الحالة الحاضرة .

وفي التفاصيل، اضافت المراجع إن قبرص حاولت في الفترة الاخيرة التواصل مع لبنان لاعادة ركاب قاربين او ثلاثة نقلوا مهاجرين الى قبرص اقترب عددهم من 500 لاجىء دون جدوى. فهي تحاول بهذه العملية تكرار تجربة سابقة نفذتها قبل ما يقارب الأشهر الاربعة عندما اعادت الى لبنان ركاب قارب نقل حوالى 105 لاجئين، وهو ما تسبب في حينه بأزمة لبنانية داخلية بقيت وقائعها في الكواليس السياسية والديبلوماسية والأمنية ولم تتكرر من بعدها.

أما وقد تواصلت عمليات نقل المهاجرين السوريين الى الجزيرة أكثر من مرة، فقد تجددت المراجعات بين نيقوسيا وبيروت من دون جدوى، وهو ما ادى بالسلطات القبرصية الى رفع الملف الى الاتحاد الاوروبي من ضمن خطة باشر الإتحاد القيام بها عبر مجموعة تفاهمات يسعى الاتحاد الى تطبيقها مع أكثر من دولة شكلت وما زالت تشكل مصدرا للمهاجرين الى سواحل بلدانه على خلفية ما سمي بـ “تزايد أعداد الوافدين من الشرق الأوسط” الى الدول الاوروبية.

وهي تجربة اوروبية جديدة يقودها فريق اوروبي يجمع ممثلين لدول عدة يديره “مفوض دعم أسلوب الحياة في الاتحاد الأوروبي” مارغريتيس شيناس والذي انتهى الى ترتيب أول اتفاق من نوعه اختيرت ان تكون مصر الدولة الاولى لتطبيقه. وتم تكريسه بالتوقيع النهائي عليه مع السلطات المصرية في القاهرة في السابع عشر من آذار الماضي والذي ارتقى بالعلاقة بين الطرفين الى ما هو ابعد من “مكافحة الهجرة غير الشرعية” بما يؤدي الى إطلاق مسار ترفيع العلاقات بينهما إلى مستوى “الشراكة الاستراتيجية الشاملة”، وخصوصا انه اتفاق وقعه كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في حضور رؤساء وزراء خمسة دول هي إيطاليا، بلجيكا، قبرص، اليونان والنمسا. وهو سمح أيضا بتوقيع اتفاقيات مع مصر بقيمة 7.4 مليار يورو على مدى 4 أعوام في مجالات عدة، تشمل قروضا واستثمارات وتعاونا في ملفي الهجرة إلى أوروبا ومكافحة الإرهاب.

وبناء على ما تقدم تنظر المراجع الديبلوماسية الى زيارة الرئيس القبرصي غدا على أنها في سياق حملة ديبلوماسية وسياسية أطلقتها السلطات القبرصية وقد شكلت زيارة وزير خارجيتها كونستانتينوس كوبوس في 12 آذار الماضي الى بيروت اولى الخطوات باتجاه الجانب اللبناني في موازة الحراك الاوروبي الذي تستعد للمشاركة فيه معظم الدول وخصوصا تلك التي لم توافق بعد على المشاريع المطروحة لإعادة النازحين السوريين الى بلدهم الاصلي بالنظر الى موقفهم الذي ما زال رهنا بـ “الحل السياسي المستحيل” في سوريا في ظل المعادلات القائمة حتى اليوم وعدم قدرة السلطات السورية على التحكم بالملف في ظل حديثهم عن رداءة الوضع الاقتصادي فيها والذي اقترب في اماكن متعددة من درجة “المجاعة” التي رفعت شروط الرئيس السوري بشار الأسد للقبول ببرامج العودة تتقدم على شروط دول الحلف الدولي ضد الإرهاب.

وختمت المراجع الديبلوماسية لتقول انها بانتظار زيارة الرئيس القبرصي وما يمكن ان يتقدم به من مطالب وعروض للتثبت من وجود النية بعقد اتفاق بين الاتحاد الأوروبي شبيه بذلك الذي سبق وتم التوقيع عليه مع مصر وهو ما اشارت اليه “المركزية” في مقال نشر بتاريخ 24 آذار الماضي تحت عنوان ” عرض أوروبي جديد للبنان حول الهجرة غير الشرعية… هل يتلقفه في غياب الرئيس؟”. ليبنى على الشيء مقتضاه. وللتثبت عندها ان كانت هناك بوادر أزمة تقتصر على العلاقة مع قبرص ام انها ستتمدد وتتوسع لتكون بين لبنان والاتحاد الأوروبي بدوله السبع والعشرين، ان اتحدت خلف مثل هذه العروض الاوروبية الجديدة بهدف ابعاد النازحين والمهاجرين عن اراضيها وهو أمر يضع السوريين على لائحة أكبر تجمع للذين يقصدون اراضيها من العراقيين والفلسطينيين ومعهم مواطنون من دول شمال إفريقيا كتونس والجزائر والمغرب وليبيا.

طوني جبران – المركزية

Exit mobile version