أثير ضجيج كثير حول تقرير التدقيق الجنائي في حسابات شركة “أوبتيموم” المتعاونة مع مصرف لبنان. لكنّ الأخير لا يزال صامتاً حتى اللحظة. على الرغم من انتشار خبر حول تورّط مصرف لبنان بـ”عمولة” قيل إنّ حجمها 8 مليار دولار. على الرغم من الوعود التي قطعها المصرف للجمهور باعتماد سياسة “الشفافية والمصارحة”.
هل كشفت شركة “أوبتيموم” عمولة بقيمة 8 مليار دولار متورّط فيها مصرف لبنان
المصرف وعد بـ”الشفافية”، لكنّه لا يزال صامتاً بعد ما يزيد عن أسبوع، من انتشار هذا الخبر.
تلك “الشفافية” بدأت بالتراجع مع تكشُّف خيوط الفضائح واحدة تلو الأخرى، واضعة حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري في موقف محرج، أو بين خيارين:
1- فضح كلّ شيء و”كسر الجرّة” مع السلطة.
2- التزام الصمت لتحاشي أيّ اشتباك مع السلطة.
حتى اللحظة، يبدو أنّ منصوري ليس على استعداد لخوض تلك المعركة، ويفضّل التريّث. لكن إلى متى؟ وهل تسمح الظروف بمثل هذا السلوك؟ وما هي النتيجة أو الفائدة من تغطية شخصية غارقة بالدعاوى في الداخل والخارج مثل الحاكم السابق رياض سلامة؟
الإجابة عن هذه الأسئلة ربّما ستنتظر المزيد من الوقت… لكن إلى حينه، من المفيد أن نعرف كيف حصلت تلك الصفقات وما نتج عنها من فضائح.
كيف بدأت القصّة؟
بدأت قصة شركة “أوبتيموم” في الصيف الفائت، يوم صدر تقرير شركة “ألفاريز أند مارسيل” الجنائي عن حسابات مصرف لبنان للأعوام بين 2015 إلى 2020. في حينه أظهر التدقيق على الرغم من عدم اكتمال معلوماته، تورّط شركة “أوبتيموم إنفست”، بصفقات وساطة ماليّة أجرتها الشركة بالنيابة عن مصرف لبنان… فعزّزت من رصيد حساب “الخدمات الاستشارية” لدى مصرف لبنان.
الضجّة التي ترافقت مع صدور التقرير الأوّل، أثّرت كما يبدو على أعمال شركة “أوبتيموم”. وهو على الأرجح ما اضطرّها إلى تشكيل هيئة تدقيق خاصّة داخلية. لكن من أي حضرت شركة “كرول”؟
بعض المصادر تقول إنّ “أوبتيموم” قامت بتكليف “كرول” من أجل التدقيق بعملياتها مع مصرف لبنان. في حين تقول مصادر أخرى إنّ كرول تقوم بذلك دورياً وذلك في إطار متابعتها لملفات منطقة الشرق الأوسط… ولم يتسنَّ التأكد من هذه التفاصيل.
أما شركة “كرول” فهي نفسها التي اختارتها حكومة الرئيس حسان دياب لإجراء التدقيق الجنائي بحسابات المصرف المركزي. ثمّ تراجعت الحكومة نتيجة ما قيل في حينه إنّه “شبهات” بعلاقة تربط الشركة المذكورة بإسرائيل.
تقول “كرول” إنها قامت بتحقيقات مع رئيس “أوبتيموم” التنفيذي وعدد من المديرين. فاطّلعت على التقارير المالية والمحاسبية للشركة. وكشفت أنّ “أوبتيموم” عقدت نحو 45 صفقة مع مصرف لبنان، من ضمنها تلك التي كشف عنها التحقيق الجنائي لـ”ألفاريز أند مارسيل”. وذلك خلال ثلاث سنوات بدأت في كانون الثاني 2015.
ما طبيعة تلك الصّفقات؟
يمكن اختصار الصفقات بأنّها “لعبة شراء وبيع” لسندات خزينة ولشهادات إيداع بالليرة اللبنانية، كان المصرف المركزي يجريها مع “أوبتيموم”. فيقدّم قروضاً للأخيرة من أجل شراء شهادات إيداع وسندات خزينة من “المركزي” نفسه، ثمّ يقوم بشراء تلك السندات مجدّداً من الشركة. لقاء “عمولات” يقول إنّها أرباح، فيغطي بها “خسائر”.
يظهر تدقيق “كرول” أنّ تلك العمولات تراوحت بين 22% و239%. وهي مجموع الفوائد المترتّبة على تلك السندات أو الشهادات عند استحقاقها. كانت تلك الفوائد تُسدّد على الفور لمصرف لبنان. بينما تحصل “أوبتيموم” فقط على أتعاب الوساطة. وقد أسفرت هذه العمليات عن بيع مصرف لبنان سندات وشهادات إيداع بقيمة 8.6 مليارات دولار إلى الشركة، ثمّ شرائها “على الفور” من الشركة بسعر 16.6 مليار دولار. من بينها نحو 8 مليارات دولار “عمولات” للمصرف المركزي. فيما حقّقت “أوبتيموم” أرباحاً بنحو 570 ألف دولار في ثلاث سنوات.
بذلك يكون مصرف لبنان قد أعاد شراء سندات كان يملكها بقيمة أعلى من قيمتها الأساسية. مضخّماً قيمة هذه السندات، ومستخدماً تلك “العمولات” الناتجة عنها كـ”ربح” مُفترض. ربما حتى يغطّي به خسائره المتراكمة. وعلى ما يبدو كانت ناجمة عن “لعبة” أخرى هي: لعبة “الهندسات الماليّة”.
رياض سلامة يغسل الأموال؟
مصادر مصرفية مطلعة على هذا الملف كشفت لـ”أساس” أنّ اتهام مصرف لبنان أو شركة “أوبتيموم” بـ”غسل الأموال أو الاحتيال” من خلال تلك العمليات أو من خلال الربح والخسارة هو أمر “غير دقيق” وبعيد عن بديهيات عمل المصارف المركزية. لأنّ الربح والخسارة في عمل أي مصرف مركزي في العالم ليس معياراً للحكم. فالمصارف المركزية حول العالم تخسر الأموال وتربحها كذلك… وهذا كله يكون غالباً من أجل تنفيذ السياسة المالية التي ترسمها.
وفي حالة مصرف لبنان و”أوبتيموم”، شراء السندات والأوراق المالية غالباً يكون الهدف من خلفه هو ضخّ السيولة في السوق. بينما عملية البيع تهدف إلى العكس (تجفيف السيولة). أما الشبهات التي تحوم حول العلاقة بين مصرف لبنان و”أوبتيموم” فهي تكمن تحديداً في عملية البحث عن منفعة شخصية بين الشركة والمذكورة والحاكم أو أحد أفراد عائلته. مثلما ثبت في حالة شركة “فوريه” التي يملكها شقيق سلامة رجا، وليس في مقدار الخسارة التي تكبدها المصرف المركزي أو الربح الذي حقّقه…. فذلك بحث آخر.
أي بمعنى توصيفي آخر، فإنّ هذه الصفقات لابدّ من التدقيق في تفاصيلها من أجل معرفة إن كانت “ضرباً احتياليّاً” أو عملية “غسل أموال”، ابتكرها حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة لصالحه، وسهّلتها شركة “أوبتيموم”.
تبريرات الشّركة
شركة “أوبتيموم” حصّنت نفسها بمجموعة من التبريرات من أجل تبرئة ساحتها من تلك التُّهم. وأكّدت من خلال ما تسرّب عن أوساطها أنّها كانت تنفّذ تلك الصفقات من أجل مصرف لبنان وبناء على طلبه. كما أنّها لم تكن تعلم سبب تنفيذها، إلّا بعد ظهور الاتّهامات الموجّهة إليها في تقرير “ألفاريز أند مارسيل”.
أمّا تلك التبريرات فتتمثّل في:
– أنّ الشركة كانت تساعد مصرف لبنان في تنفيذ سياسته النقدية. خصوصاً استقطاب الدولارات إلى الاقتصاد اللبناني وتعزيز الاستقرار الماليّ في البلاد.
– أنّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة كان شخصية بارزة على الصعيد المحلّي والعالمي ولم تكن خلفه أيّ شبهات.
– المدقّق الخارجي، أي شركة “ديلويت أند توش”، بحسابات الشركة ومصرف لبنان، لم يشكّك بهذه العمليات.
– لم تكن الشركة على علم بأنّ أموال تلك الصفقات يستخدمها مصرف لبنان لدفع عمولات استشارية لأطراف ثالثة.
– العقود الموقّعة مع مصرف لبنان لا تسمح للشركة بمعرفة كيفية استخدام تلك العائدات.
لم تحرّك كلّ هذه التفاصيل ساكناً في مصرف لبنان. ولم يصدر حتى اللحظة أيّ بيان توضيحي أو تبرير أو حتى نفي… فإلى متى؟