التحويلات المالية إلى لبنان مستمرة.. وفي هذه الحال ستتوقف

منذ بدء الأزمة الإقتصادية في لبنان، استطاعت التحويلات المالية التي تصل إلى اللبنانيين من الخارج أن تكون المتنفس الإقتصادي الأكبر، إذ شكّلت نسبة كبيرة من الناتج المحلي، خاصةً وأنّها ساهمت وبشكل كبير في إدخال العملة الصعبة إلى البلاد، لتكون مصدرا حيويًا أساسيًا يتم من خلالها تأمين الإحتياجات اليومية. ولا نضخّم الأمور أبدًا إذا قلنا أن هذه التحويلات هي مصدر عيش نسبة كبيرة من العائلات اللبنانية، بمعنى أنّها تعتمد عليها بنسبة 100%، وذلك لتراجع القدرة الشرائية، أو لسبب هجرة الأبناء، وعدم تمكن الأب أو الأم من العمل، خاصةً مع الهجرة الكبيرة التي سجّلها لبنان مؤخرًا.

في السياق، توضح الأرقام أن أكثر من 65% من العائلات اللبنانية تتلقى وبشكلٍ شبه شهري حوالات مالية من الخارج بالدولار، وأكثر من 30% من هذه العائلات تتلقى أكثر من 450$ شهرياً، لتسجّل التحويلات ارتفاعًا متتاليًا منذ عام 2020، لتصل إلى ما يقارب 38% من إجمالي الناتج المحلي اللبناني، أي بلغة الارقام، تسجّل الحوالات سنويًا ما يقارب 8,1 مليار دولار، وترتفع هذه الأرقام إلى حوالي 11 مليار دولار في الموسم الصيفي وموسم الأعياد، وذلك لسبب أنّ المسافرين يدخلون أموال “الكاش” عند دخولهم إلى البلاد. إلا أنّ هذه الكتلة التي يأمل لبنان أن تدخل خلال الموسم الصيفي من المتوقع أن تتراجع حسب الخبير الإقتصادي الدكتور عصام ملّاك، الذي يشير خلال اتصال عبر “

لبنان24″ إلى أنّ الحرب حرمت لبنان من ما يقارب 3 مليارات دولار، كان من المتوقع دخولها خلال الموسم السياحي، إذ استند ملاك على أرقام مواسم الأعياد الأخيرة التي اعتبرها كارثية.
إلا أنّ ملاك لا يخفي في الوقت نفسه أهمية التحويلات التي تصل مباشرة من الخارج عن طريق حوالات مالية، إذ يشير إلى أنّ السنوات القليلة الماضية أظهرت أن هذه العمليات أثبتت أنّها تتمتع بميزة الإستدامة، وذلك بناء على الإشارات والمؤشرات الايجابية التي سجّلتها أرقام الحوالات، إذ وعكس المتوقع لم يكن هناك أي تقلصات، خاصة وأنّ لبنان صُنّف في المركز الثالث إقليميًا من حيث إجمالي المبالغ التي تم تحويلها، حيث احتلت مصر المركز الأول عالميا بمعدل بلغ حوالي 28 مليار دولار، وتبعتها المغرب بإجمالي بلغ 11 مليار دولار.

نوع التحويلات تغير
من جانب آخر، وبعد بدء الأزمة، طرأ تحول كبير جدًا في نوع الإستثمار بهذه التحويلات، فبعدما كانت التحويلات تستأثر بعملية الإستثمار، أي من خلال شراء المباني والأراضي وتوظيفها في عمليات استثمارية، أو في البورصة، أصبحت هذه التحويلات اليوم تُستخدم في قسم كبير منها فقط لتلبية الإحتياجات المعيشية الأساسية، إذ إنّ تحوّل القدرة الشرائية في لبنان من مستقرة إلى مضطربة، دفعت بالمستفيدين من الحوالات إلى الاسئثار بها بشكل مباشر.
ويؤكّد مصدر اقتصادي لـ”لبنان24″ أن حرب غزة أثبتت المؤكّد أن اللبنانيين لا يستفيدون من الحوالات الكبيرة التي تصل إليهم بشكل يضمن أمانا إجتماعيا خاصا بهم مستقبلا، إذ إنّ هذه الأموال يتم صرفها بمجرد وصولها، وما يبقى منها يتم الاحتفاظ به على قاعدة “خبّي قرشك الأبيض ليومك الأسود”، خاصة وسط الخوف مما هو مقبل.

وحسب معلومات حصل عليها “لبنان24” من قبل صرافين وشركات حواله، فإن تحويلات الاموال إلى نقاط الحوالة في الجنوب والضاحية مثلا ارتفعت منذ بدء العام الحالي بأكثر من 35%، والأرقام لم تتجاوز 15% في مناطق لبنانية أخرى. وتؤكّد الأبحاث الاقتصادية في هذا السياق أن التحويلات خلال الأشهر الماضية صبّت بمجملها على عملية المأكل والمشرب والطبابة، وهذا ما يبرهن ارتفاع أرقام تحويلات المغتربين خلال الأزمات.

عقبتان قد تعدمان الحوالات
يقول ملاك لـ”لبنان24″ أن الحوالات قد تتوقف من الوصول إلى لبنان لسببين، إذ يشير إلى أن عملية الحصول على الحوالات تعتمد بشكل أساسيّ على الانترنت، وبالتالي في حال مواجهة الانترنت أي أعطال خارجة عن قدرة الدولة فإن الحوالات وبشكل قطعي ستتوقف، خاصة وأن الحوثيين هددوا مرارا وتكرارا على سبيل المثال بقطع كابلات البحر الأحمر التي من الممكن أن تؤثّر على لبنان.
ويضيف ملاك أن التشويش الحاصل من قبل إسرائيل على أنظمة الإنترنت في المنطقة من شأنه أيضا أن يؤثّر بشكل مباشر على فعالية الإنترنت في لبنان، وهذا ما تم لمسه في العديد من المناطق، خاصةً وأن النقاط التي قد تستهدفها إسرائيل في هذا السياق يحصل داخلها عمليات تحويل بوتيرة مرتفعة لا بل تصاعدية.
من ناحية أخرى، أبدى ملاك خوفه الجدي من فرض عقوبات اقتصادية على لبنان وذلك في حال استمرار الحرب الدائرة في الجنوب أو توسعها، إذ يؤكّد لـ”لبنان24″ أنّ مجرد فرض العقوبات، فإنّه سيكون ممنوعا على أي شركة حوالة أن تصرف أي مبلغ قد يأتي من الخارج إلى لبنان، وهذا ما يفتح فرضية قطع البنك المراسل علاقته مع الشركات اللبنانية على مصراعيها.
 

Exit mobile version