تترافق عملية الحصول على خدمات الاتصالات والانترنت حول العالم، مع احتمالات لا تُحصى من الاختراقات والتشويش. لذلك، تلجأ الشركات العامة والخاصة إلى برامج حماية تعتمد تقنيات عالية. وكلّما زادت جودة التقنيات والبرامج وخبرة شركات الحماية، ارتفعت أسهم الخلاص من الاختراقات. وكلّما تردَّت الجودة، ضعفت خدمات الاتصالات والانترنت، وصولاً إلى انقطاعها.
وعلى ضوء الحرب المستمرة في الجنوب اللبناني منذ تشرين الأول 2023، يعيش قطاع الاتصالات والانترنت في واقع لا يُحسَد عليه. إذ يفشل اللبنانيون في إجراء مكالمة هاتفية أو الولوج للانترنت، أكثر من مرّة يومياً، بفعل التشويش والاختراقات السيبرانية.
وإذا كانت تداعيات الحرب في هذا المجال قد ظهرت مطلع العام الجاري من خلال اختراق لوحات عرض بيانات رحلات الطيران في مطار بيروت، ولاحقاً من خلال الحديث عن تشويش إسرائيلي يؤثِّر على أنظمة الملاحة الجوية، إلاّ أن المسألة لم تنتهِ هنا. إذ أن لبنان يسجِّل هجمات تهدّد أمنه السيبراني وتعيد طرح التساؤلات حول الاستعدادات المسبقة للمواجهة.
هجمات يومية
ليست خدمات هيئة أوجيرو وشركتيّ الاتصالات الخليوية تاتش وألفا، في أفضل أحوالها. فاستنفار أجهزة العدوّ الإسرائيلي للتشويش والمراقبة، تساهم في إضعاف جودة الخدمات. وإلى جانب ذلك، تتعرَّض شبكة أوجيرو لهجمات سيبرانية متكرّرة “بلغت ذروتها يوم الجمعة الماضي”، وفق ما تقوله لـ”المدن” مصادر في أوجيرو.
لم تعلن أوجيرو عن الاختراق لسببين أساسيين. وبرأي المصادر، السبب الأول هو “عدم الرغبة في إحداث بلبلة لدى الناس، خصوصاً وأن الهجوم انتهى وتعاملت معه أوجيرو بالشكل المطلوب رغم الإمكانيات الضعيفة. والسبب الثاني هو أن الهجوم ليس مفاجئاً، بل يحصل بشكل دائم وشبه يومي، وهي حالة موجودة في كل دول العالم وليست خاصة بلبنان أو مرتبطة حصراً بالحرب”. تشير المصادر.
اعتياد الهجمات لا يعني أنها مُشَرَّعة للعدو أو لأي فرد أو جماعة، كما لا يعني أن التعامل معها يتمّ بالصيغة عينها. لأن كل هجوم له شكله وتداعياته وأسلوب يتبعه المهاجمون، ووتيرته تضعف أو ترتفع بحسب الجهة المنفِّذة وهدفها. والهجوم الأخير “كان الأقوى نسبياً من مرّات سابقة”.
وتضيف المصادر أن الهجوم الذي نُفِّذَ منذ أيام، قد يُعاد شنّه، وأوجيرو تتّخذ احتياطاتها. ومع ذلك “لا داعي لإخافة الناس، لأن هذه الهجمات اعتيادية ويمكن تفاديها ببعض التقنيات الحديثة. ولو أن المعلومات حول الهجوم لم تتسرَّب إعلامياً، لكانت صفحتها طُوِيَت ولم يشعر اللبنانيون سوى بخلل تقني عادي في الشبكة. ولذلك لا ينبغي لأحد أخذ هذا الموضوع بخوف”.
الأعذار غير مُبَرَّرة
بالنسبة لأوجيرو، الأمر اعتيادي. مع ذلك، يمكن تطوير قدرات الهيئة في التصدّي والحماية، عبر تأمين التمويل الكافي للتعاقد مع جهات خبيرة في هذا المجال. وتلقي المصادر جزءاً كبيراً من المسؤولية على “الجهات المعنية” لعدم تأمينها التمويل “وأوجيرو لديها ميزانية توافق عليها السلطة التشريعية ولا يمكن تخطيها. ولذلك نحاول مع المعنيين الوصول إلى زيادة التمويل لنواكب التطورات في هذا المجال، لكن لا يوجد تجاوُب حالياً”.
تطمئن المصادر إلى أن “الخدمات عادت إلى وضعها الطبيعي. لكن لا يمكن إيقاف محاولات الاختراق بشكل نهائي، فالاختراق يحصل حول العالم مهما كانت تقنيات المواجهة والحماية متطوّرة. فشركات كبرى مثل غوغل وفيسبوك، تتعرّض دائماً لمحاولات اختراق رغم وجود التمويل وبرامج الحماية المتطوّرة”.
مع أن التطمينات مطلوبة، إلاّ أنها لا تحلّ الأزمة. فبالنسبة للمواطنين، هناك حقّ بالحماية والحصول على خدمات جيّدة لقاء الأجر الذي يدفعونه للحصول على الاتصالات والانترنت. أما الجانب التقني، فلا علاقة للمستهلك به. وبالتالي، يقول أحد الخبراء في مجال الأمن السيبراني، أنه “من غير المنطقي التعامل مع هذا الملفّ من منطلق أن الاختراقات تحصل في أحسن الدول والشركات، عملاً بالمَثَل الشعبي القائل “بتصير بأحسن العائلات”. وإذا كان الاختراق يحصل تقنياً رغم اتخاذ إجراءات الحماية، فيبقى على أوجيرو إعلام الجمهور بذلك من باب الشفافية، لا انتظار انكشاف أمر الهجوم السيبراني في الصحافة والتعليق عليه لاحقاً”.
ويتّفق الخبير مع أوجيرو بأن الاختراقات قد تحصل في أي وقت وعبر أكثر من جهة، لكن “ليس على الدولة ومؤسساتها ترك الأمور على حالها ورمي الأعذار”. ويأسف لأن “الوضع في لبنان سائب، والمسؤولون يتركونه كذلك حتى تأتي ساعة الحل أو تقع مصيبة ما، فيصرخون ويعملون على إيجاد الطرق المناسبة للتعامل مع الأمر”. لكن إلى حينه، يفقد المواطن حقّه باستعمال خدمات لائقة.
المشكلة الأكبر في هذا الملف، هي أن الهجوم أو الاختراق أو التشويش، يتعدّى خدمات أوجيرو ليطال شركتيّ الخليوي، إذ تستعمل الشركتان سنترالات أوجيرو لنشر خدماتهما، وهو ما يؤدّي إلى حالة ارتباط وثيقة وتأثُّر مباشِر لاتصالات وانترنت شركتيّ الخليوي.
“لن تتوقَّف الهجمات”، تجزم مصادر أوجيرو. ولذلك “تواجه أوجيرو ما قد يظهر من اعتداءات، عن طريق تكثيف العمل”، وهو ما تفعله أوجيرو اليوم إذ يحاول موظّفوها عَمَلَ المستحيل لضمان تأمين الخدمات بأسرع وقت”. وعليه، في أي وقت قد تضعف خدمات الاتصالات والانترنت إلى حدّها الأدنى، وقد تخرج الشبكة عن الخدمة، حسب قوّة الهجوم.
خضر حسان- المدن