يطالب المقاولون، مجلس الإنماء والإعمار، بتسديد فواتير تصل قيمتها إلى 70 مليون دولار، فيما اعتمادت المجلس لم تعد كافية بعد تعديل سعر الصرف إلى 89500 ليرة بدلاً من 15 ألف ليرة. الفرق يتجاوز 6200 مليار ليرة وإقرارها يحتاج إلى قانون في مجلس النواب.في 12 شباط 2024، وصلت إلى مجلس الإنماء والإعمار من مصرف لبنان لائحتان بسعر الصرف المعتمد رسمياً. الأولى تشير إلى أن السعر يبلغ 15 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد، والثانية تلتها بعد ساعتين وتفيد بأن السعر يبلغ 89500 ليرة. يومها تفاخر أحد المقاولين بأنه وراء هذا الأمر بعدما استحقّت له فاتورة لدى المجلس، لكن سرعان ما تبيّن أن المشكلة معقّدة لأن الفواتير المستحقة بالدولار للمتعهدين والمقاولين لا قيمة موازية لها في اعتمادات المجلس التي رُصدت على سعر الصرف ما قبل الأخير، أي 15 ألف ليرة مقابل الدولار.
تقول مصادر مطّلعة لـ “الاخبار”، إن الفواتير التي استحقّت للمقاولين في سلّة من المشاريع قيد التنفيذ تتجاوز 70 مليون دولار، أما في قانون موازنة 2024، فإن الاعتمادات التي رُصدت في مجال إدارة وتنمية المشاريع تبلغ قيمتها 834 مليار ليرة، لذا فإن التعديل الذي طرأ على سعر الصرف، كما تبلّغه المجلس من مصرف لبنان عبر نشرة متوسطات أسعار الصرف، أخلّ بقدرة المجلس على تسديد الفواتير. فهذه الفواتير تعود إلى مشاريع مشتركة مموّلة بمساهمة صغيرة نسبياً من الدولة اللبنانية ممثّلة بمجلس الإنماء والإعمار، ومن جهات مانحة خارجية. وبالتالي تدفع فواتير الكشوفات المنفّذة بما يوازي قيمتها بالليرة اللبنانية.
هنا برز أمران في سياق التعامل مع هذه العقود؛ ما هو سعر الصرف المُعتمد رسمياً؟ هل تُدفع الفواتير بسعر الصرف المعتمد يوم تاريخ استحقاق الفواتير أو بتاريخ بدء تنفيذ العقود؟ اللافت أن طريقة المعالجة التي قُدّمت تُركت على عاتق مصرف لبنان ومن ديوان المحاسبة من دون أي تدخل من السطات التنفيذية والتشريعية. ديوان المحاسبة رأى أنه يجب تسديد الفواتير وفق سعر الصرف المعتمد بتاريخ صدور الفاتورة، بينما اكتفى مصرف لبنان بإبلاغ الإدارات الرسمية بمتوسطات أسعار الصرف التي يرصدها. اعتُمد الأمران معاً باعتبارهما جواباً نهائياً على الإشكاليات التي نشأت بفعل هذه العقود بين الدولة اللبنانية والأطراف الخاصة. وبحسب النشرات الدورية التي يصدرها مصرف لبنان لمتوسطات أسعار الصرف، فقد ارتفع من 1507 ليرات مقابل الدولار إلى 8000 ليرة مقابل الدولار، ثم إلى 15 ألف ليرة مقابل الدولار، وأخيراً إلى 89500 ليرة مقابل الدولار.
ورغم أنْ لا أحد يحسم أن هذا التطبيق هو شامل لكل العقود على الأراضي اللبنانية، بمعنى أنه يُطبّق على المقاولين لكنه لا يُطبق على مشاريع أخرى أو على عقود المودعين مع المصارف، إلا أن مجلس الإنماء والإعمار والمقاولين كانوا متفقين عليه إلى أن صدر قانون موازنة 2024. لم يُحدّد في قانون الموازنة سعر الصرف المعتمد رسمياً، لكنّ الاعتمادات التي رُصدت لمجلس الإنماء والإعمار، كانت محسوبة على أساس سعر صرف يبلغ 15 ألف ليرة، وفجأة مع تعديل سعر الصرف لم تعد الاعتمادات تكفي لتسديد الفواتير.
حتى الآن، تقول مصادر مطّلعة، إن الفواتير التي تراكمت في المجلس تتجاوز 70 مليون دولار، أي أن تسديدها يتطلّب اعتمادات بقيمة 6265 مليار ليرة، فيما لا يتوافر سوى 834 مليار ليرة. فمن أين سيأتي المجلس بمبلغ 5431 مليار ليرة؟ المقاولون راسلوا وزير المال لمعالجة الأمر، لكنه قال إن المسألة ليست بيده. ما يعني أن المشكلة ستطول لأن زيادة الاعتمادات لمجلس الإنماء والإعمار يجب أن تصدر بقانون في المجلس النيابي وهذا أمر ليس سهلاً حصوله إذا قرّرت وزارة المال الموافقة على تخصيص مبلغ كهذا للإنفاق. وتشير المصادر إلى أنه لا يمكن الحصول على سلفة خزينة لتسديد هذا المبلغ بعد المنع الأخير لسلف الخزينة.