ثمّة من حذّر مراراً وفي أكثر من مرّة بأنّ فائض النزوح السوري إلى لبنان لم يعد يتماشى وهذا البلد الصغير جغرافيًا وسكانيًا.
وثمّة من عرقل مراراً عودة طبيعية للنازحين الذين تجاوز عددهم المليوني نازح في لبنان، على خلفية ترهيبهم والتهويل عليهم من أنهم سيلقون مصيراً غير مأمونٍ بحال عادوا إلى بلادهم.
ولكن الثابت الذي لا يرقى إلى جدل أو تشريح في المواقف، أن كثيرين ممن علت أصواتهم قبل أيام مطالبين بوضع حدّ للوجود السوري في لبنان هم أنفسهم من شاركوا بدعم فكرة البقاء للتوظيف السياسي، فانقلب السحر على الساحر.
إن أي عملية قتل أو اغتيال أو قرصنة بداعي السرقة، أو لدواعٍ أخرى فهي مرفوضة بالشكل والمضمون وما المصير الذي تلقّاه منسق “القوات اللبنانية” في منطقة جبيل باسكال سليمان إلّا دليل على عقم تنظيم النزوح السوري.
جريمة مقتل باسكال ليست الأولى في اليوميات اللبنانية ولن تكون الأخيرة في ظل فوضى الانتشار للنزوح دون أي ضوابط تراعي التوزيع الديمغرافي.
فما كان مضمراً في السابق أصبح معلنًا اليوم، وإذا ما عدنا بالذاكرة إلى وقت قريب مضى، نرى أن كل الخطط التي وضعتها الحكومة والأحزاب لتنظيم عودة آمنة كانت تصطدم بأصوات هي نفسها التي تنفخ في كرة الفتنة اليوم، وهي نفسها من كانت تعمل على تعطيل برنامج الأمن العام الذي أعدّه المدير السابق اللواء عباس إبراهيم لعودتهم بفعل الاغراءات التي كانت تعرض على النازحين من جهة، ومن جهة أخرى الضغط على الهيئات الدولية الداعمة بعدم تقديم أي معونة إذا ما اختار النازح العودة الطوعية وهي التي وظّفت مئات الجمعيات لتكون رأس حربة لعرقلة العودة. وما كان يلمّح عنه الناس، أصبح على لسان المسؤولين اللبنانيين.
نعم لقد بلغ السيل الزبى وطفح كيل الممارسات الخارجة عن مألوف الضيافة والإيواء. ولكن يبقى لنا أن نسأل هل النازح السوري يتحمّل وحده مسؤولية أفعاله؟ أم أن ما عرض عليه وجعله يتمسّك بعدم العودة عبر الـ NGO وشبكة تواصلها مع سفارات الداخل والخارج هم من وضعوه أمام هذه المشهدية التي لا تليق (بالسواد المنظم) من النازحين الذين لا يمكن أن يتحمّلوا وزر أفعال منفصلة عنهم ولا تمثلهم لا بالجوهر ولا في الإطار.
إذن، فالنزوح السوري لم يعد مجرد كلام في الهواء، وخطورة ترك الملف من دون معالجة حاسمة بالتنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية ستجلب المزيد مما نرفضه ويرفضه حتى النازح السوري المنضبط.
وأيضا يتقدم سؤال آخر حول مواقف من كان يرفض حوارا لبنانيا – سوريا حول حل هذا الملف ومناصبة العداء للدولة السورية بقيادة رئيسها وحكومتها لا لشيء إنما لتنفيذ أجندات، حتى هم أنفسهم، غير مقتنعين بها.
ولكن كيف يجب معالجة هذه المشكلة الكبيرة، ووفق أي مسار يجب أخذ الأمور؟
تقول مصادر مطّلعة انه بداية، لا بد من التسليم بأن إلقاء اللوم على هذا أو ذاك لم يعد ينفع، إذ على الرغم من صحة ما يقوله البعض من ان أطرافاً لبنانية مسيحيّة ومسلمة على حد سواء، رأت في القوافل الأولى من النزوح السوري مصلحة لها على حساب غيرها من الأطراف، فإن القارب اللبناني يحوي الجميع وغرقه سيطال الجميع، وبالتالي لن ينفع القاء التهم وإبراز من كان على حق ومن أخطأ.
من هنا يجب التوقف عند ما صدر من كلام عن وزير شؤون المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين الذي قال: “حرفيا يجب التحرك وأخذ القرار في ملف المخيمات التي تحتوي على عشرين ألف مسلّح جاهزين للقتال”، قد يكون هذا الموقف مرّ مرور الكرام بالنسبة الى البعض، ولكن هذا لا ينفي انه كلام على قدر كبير من الخطورة، ويجب التعامل معه على هذا الأساس.
مصادر أمنية شرحت المعضلة التي تواجهها القوى الأمنية وفي مقدمها الجيش اللبناني للتعامل مع هذا الواقع، وتحدثت بوضوح فقالت إنّ الجيش أمام معضلة حقيقية فمن ناحية تطلب منه الدول الكبرى ضمان سلامة النازحين السوريين وتتوقع منه القيام بذلك من دون تردد، ومن ناحية أخرى ليس هناك من مجال للشك ان وجود النازحين يشكّل خطراً على اللبنانيين أنفسهم.
وتتابع المصادر بالتشديد على أنّ الحلّ لن يكون بالتأكيد استهداف جميع النازحين أينما وجدوا وبغض النظر عمن هو بريء ومن هو مذنب، وجزمت بأن الطريقة التي يتعاطى بها بعض اللبنانيين مع هذه المسألة أكثر خطورة من تواجد النازحين.
وبالتالي يجب الاعتراف بان انعدام المعالجة وبقاء الكيد السياسي بين الفرقاء حول هذا الملف سيثمر مزيداً من المخاطر، ولا سيما ان لبنان بات ساحة مكشوفة ومفتوحة لكل العابثين بأمنه واستقراره والمصطادين بماء وحدته الوطنية، وخاصة ان خصوبة توظيف الأزمات به تفتح شهية الجميع وأولهم الاحتلال الإسرائيلي المأزوم في غزة والمحرج في جنوب لبنان.
وفاء بيضون – “اللواء”