مجدداً، الأدوية المزورة الى الواجهة. هذا الملف الشائك والقديم والذي لم تنجح الإدارات المعنية، الى الآن، في معالجته، أو بالحد الأدنى في وضع الإطار السليم لمكافحته. وفي سلّم الإجراءات، إنشاء “الوكالة الوطنية للدواء”.
هكذا، يترك باب التزوير في الأدوية مشرّعاً، لا بل إنه يشرّع أكثر فأكثر، مع ازياد عدد الصيدليات غير الشرعية، وفلتان معابر التهريب.
وإن كان صحيحاً أن ثمة فرقاً بين الأدوية المزورة والأدوية المهربة، فإن الخلط بين الفئتين يجوز، لأنه غالباً ما تكون الأدوية المهربة، أو بعضٌ منها، أدوية مزورة، أو أقل فاعلية.
والسؤال، كيف تباع الأدوية المزوّرة؟ هل الصيدليات تقبل هذه الأدوية، أم هي لا تعلم أحياناً بأنها مزورة؟ وفي الحالتين، المشكلة كبيرة وخطيرة.
هو ملف صحي متكامل، تبدأ مسؤولياته من نقابة الصيادلة الى وزارة الصحة، وانتهاءً بمجلس الوزراء مجتمعاً. هذا في البلدان التي تستقيم فيها الأصول والإجراءات، لا في لبنان بالطبع، حيث الفلتان والفساد ولغة “المافيات” في أوجها، لا بل في تقدّمها المستمر.
وقد تكون الأعوام الأخيرة زادت الطين بلة، من تراكم للمشاكل وغياب للتدابير الاحترازية، والإجراءات لأي تدبير غير شرعي.
لا يتوانى نقيب الصيادلة جو سلوم عن وضع الإصبع على الجرح، ولطالما رفع الصوت ضد تهريب الأدوية وتزايد حالات المعابر “الفلتانة” التي تسمح ببيع الأدوية، حتى إنه يلفت الى حالات البيع التي تتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي أحياناً، بلا أي حسيب أو رقيب أو رادع.
وكل هذه الأساليب تزيد حكماً من ظاهرة الأدوية المزورة.
يقول سلوم لـ”النهار”: “يا للأسف، على الرغم من كل محاولاتنا وتشديدنا مع الصيدليات، فإننا لا نزال نشهد أدوية مزوّرة تباع. هذه الأدوية غالباً ما تكون فاعليتها الطبية أقل من فاعلية الأدوية السليمة أو غير المزورة، أو يكون بعضها بلا أي فاعلية. هذا التعريف التقني أو العلمي للدواء المزور. وفي لبنان، لا يزال هناك عدد من هذا النوع من الأدوية”.
أين مكتب الدواء؟
أمام هذا الاعتراف أو الواقع، أي تدبير وأي مسؤولية ملقاة على الصيادلة أولاً؟
يجيب سلوم: “الصيدليات الشرعية والمحترمة، والتي تحترم المريض وأخلاقيات المهنة أولاً، لا تأخذ أي دواء إلا من خلال الوكلاء الشرعيين. ونحن، في الفترة الأخيرة، عممنا على معظم الصيدليات بضرورة التزام الوكلاء الشرعيين فقط، تحت طائلة المحاسبة أو اتخاذ التدابير التي يجيزها القانون، ضماناً للسلامة العامة ولصحة المريض. نحن نقوم بهذا الجانب من مسؤولياتنا. لكن المشكلة الحقيقية في مكان آخر”.
أين مكمن الخلل، أو الفجوة التي يمكن من خلالها “إمرار” التزوير؟
يصرّح سلوم: “ثمة صيدليات غير شرعية، وحزبية أيضاً. وهذه لا تخضع لأي معايير، ومن المنطقي أو البديهي أن يجري “تسويق” الأدوية المزورة وبيعها، من خلال هذه القناة، لأن من يتاجر بالدواء المزوّر لن يلجأ الى الصيدليات التي ترفض مسبقاً وحتماً أخذ أي حبة دواء إلا من الوكيل الشرعي”.
وأي رقم لعدد هذه الصيدليات “الحزبية”؟
“لا رقم”، يبادرك سلوم. “فعندما تكون الأمور فلتانة يصعب رصدها، وإن كان ضبطها ممكناً من السلطات المعنية”.
في الوقت الحاضر، الضمانة الحقيقية لمنع “تفشي” الأدوية المزورة هي احترام الصيدليات للآلية التي تسمح فقط بأخذ الدواء من الوكلاء الشرعيين، لأن بعض الصيدليات قد لا تعرف أحياناً ما إن كان الدواء مزوراً أم لا. وهذه مشكلة كبيرة، وفق سلوم، من هنا، “فإن الرادع أو الضمانة هي الوكيل الشرعي، لذلك، كان تعميمنا الأخير صارماً ومهماً”.
لكن، كيف تكون المعالجة الجذرية والنهائية لهذه الظاهرة التي تهدد صحة الإنسان وحياته؟
يرى سلوم أن “المسألة تحتاج الى قرار سياسي بوقف تهريب أي دواء، وتوقيف كل من يتاجر بالأدوية عبر وسائل التواصل وغيرها. إنه قرار سياسي – قضائي – تنفيذي مترابط ينبغي أن يتخذ. وأول الغيث يُفترض تفعيل الوكالة الوطنية للدواء”.
هذه الوكالة أو ما يُعرف بـ”المكتب الوطني للدواء” الذي لم يفعّل منذ عام 1994. 30 عاماً، لم تكف المعنيين حتى يتمكنوا من إصدار المراسيم التطبيقية لإنشاء المكتب. هذا المكتب الذي يشكل، قانوناً، الجهة المخوّلة تسجيل الدواء وضمان فاعليته وفحصه، إذ لا يمر دواء موجود في السوق اللبنانية، من دون ممر هذا المكتب. ومن أبرز صلاحياته، أن يُستورد الدواء مباشرة لمصلحة الضمان الاجتماعي والجهات الضامنة الرسمية. فإذا احترمت هذه الآلية، يكون الدواء “الجيد”، قد وصل عملياً الى المراكز وتم التخفيف، مالياً وصحياً، عن كاهل المواطن.
تخيّلوا، 30 عاماً ولم يفعلّ هذا المكتب، علماً بأن قرار إنشاء “الوكالة الوطنية للدواء” صدر عام 1985! وكأننا دولة في مهبّ الانحدار والتراجع… لا بل الترهّل في كل الأصعدة.
منال شعيا- النهار