انتهت العراضة الجويّة، المعدّة سلفاً بين طهران وتل أبيب، لكنّ الجزء الجدّي من السيناريو لم ينتهِ على ما يبدو في جنوب لبنان. فالوضع القائم عند الحدود، واستمرار نزوح آلاف المستوطنين، والخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تُسجّل منذ الثامن من أكتوبر، والقوة العسكرية المتنامية لحزب الله باتت تشكّل قلقاً حقيقياً لإسرائيل.
تلمّح المؤشرات إلى ما يشبه القرار المتخّذ إسرائيلياً بتصعيد كبير تجاه “الحزب” ولبنان، على قاعدة أساسية مفادها أن لا عودة إلى ما قبل “طوفان الأقصى”، ولا بدّ من التوصّل إلى صيغة منقحة ومعدّلة من القرار 1701. وفي تصريح مقلق، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس “أننا نقترب من نقطة الحسم مع لبنان”، متعهّداً للمستوطنين بإعادتهم إلى منازلهم حتى قبل بدء العام الدراسي المقبل.
الحرب الشاملة في لبنان لن تكون نزهة، والإسرائيلي يعرف ذلك جيداً، كما يدرك أيضاً أن إيران لا تريد هذه الحرب وتتمسك بقواعد الاشتباك المحدودة، إلا أن ثمة ما يحصل في الأيام القليلة الماضية ولا يبشّر بالخير.
يرشح عن لقاءات دبلوماسية في بيروت أن لبنان تبلّغ عبر أكثر من قناة، إحداها أوروبية، بأن إسرائيل تحضّر لتصعيد الموقف في الجنوب وتعتبر نفسها بحِلٍّ من الالتزامات التي سبق ونُقلت، وأجواء التهدئة التي رافقت زيارات الموفد الأميركي آموس هوكستين، الذي بدوره لم يكن يوماً ضامناً للإسرائيلي بأنه لن يتهوّر ويرتكب مغامرة ما ضدّ حزب الله.
هذه الأجواء المستجدة تتزامن مع استمرار تعليق الرحلات الجوية إلى بيروت وتل أبيب من قبل خطوط جوية أساسية ألمانية وأميركية وسويسرية وبولندية وسواها، رغم أن التصريحات الإيرانية والإسرائيلية واضحة لجهة انتهاء عمليات الردود في ما بينهما، وبالتالي لماذا استمرار تعليق الرحلات إلى لبنان؟
ربما من المفيد العودة إلى ما حصل منذ أيام، بعد الضربة النوعية الني نفذّها “الحزب” في عرب العرامشة في الجليل الغربي، والتي اعتُبرت تطوراً غير مسبوق، حيث أطلق ما لا يقل عن أربعة صواريخ لم تعترضها القبة الحديدية الإسرائيلية وقد استهدفت مقر قيادة سرية الاستطلاع العسكري المستحدث في عرب العرامشة، موقعةً أكثر من 14 قتيلاً إسرائيلياً. كما إعلان “كتائب القسام” أنّها قصفت من جنوب لبنان منطقة الجليل بـ20 صاروخ غراد.
يحمل هذا الخرق الكثير من الإشارات والرسائل، وربما يكون جاء بعد الشعور بالنشوة بعد حملة المسيّرات الإيرانية ضد الأراضي المحتلة، وربما يكون تصعيداً مقصوداً، إلا أن التداعيات قد تكون أكبر بكثير، وما وصل من تحذيرات إلى بيروت كفيلة بتوقّع ما يمكن أن تحمله الأيام المقبلة من تطورات.
أمام هذه المستجدات كلّها، جاءت زيارة رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي إلى باريس ولقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كما عودة آموس هوكستين إلى بيروت، والزيارة القطرية الخاطفة لوزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي. فهل تسبق الديبلوماسية الإشتعال الكبير جنوباً؟
نادر حجاز – موقع mtv