باكراً، أعلن حزب الله انتصاره في المواجهة المفتوحة ضد اسرائيل. كان أمين عام الحزب في غاية الوضوح بخطابه الأخير حين قال: “نحن نسير إلى الانتصار”. ووجه رسالة إلى الحلفاء والخصوم بضرورة إعادة حساباتهم.
الانتصار الميداني
بالأمس، خرج رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، النائب محمد رعد، معلناً الانتصار أيضاً، وأن استراتيجية الحرب الإسرائيلية قد انتهت. تستحق هذه المواقف التمعن فيها بعناية، والبحث في طريقة تفكير الحزب للمرحلة المقبلة.
فميدانياً، الانتصار الذي يتحدث فيه الحزب واضح الملامح، وهو بتمكنه من إبقاء جبهة الإشغال والمساندة مفتوحة بمواجهة كل الضغوط والمساعي الدولية.
كما يعتبر الحزب أنه نجح للمرة الأولى بتهجير سكان المستوطنات الإسرائيلية وإخلائها، وعدم قدرة حكومتهم على إعادتهم إلا من خلال اتفاق سياسي، يحتاج دخول دول كثيرة على خطّ ترتيبه، على رأسها الولايات المتحدة الأميركية.
من الناحية العسكرية أيضاً، يعتبر الحزب أنه نجح في توجيه ضربات استراتيجية لمواقع إسرائيلية أساسية في عكا، وصفد وغيرهما.
وفي المقابل، لا يخفي الحزب حجم الخسائر الكبيرة التي تكبدها، ويرى أن التضحيات الكبيرة ترتبط بمجموعة مسائل، أهمها كسر قواعد الاشتباك والمعيار الديني الذي نشأ عليه الحزب، وإثبات القدرة على استمرار شن الهجمات، على الرغم من التفوق التكنولوجي الإسرائيلي.
الحل الديبلوماسي
العمليات المستمرة حالياً، ما هي بالنسبة إلى حزب الله سوى عمل في الوقت المستقطع، بانتظار وقف إطلاق النار في غزة. فلا يبدو حزب الله متخوفاً من احتمال شن اسرائيل لحرب واسعة على لبنان لمجموعة أسباب، أولها عدم جهوزية الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ثانيها أن أي حرب لن تكون ذات أهداف واضحة، فلا قدرة على إخراج الحزب من الجنوب ولا على تغيير المعادلة العسكرية، وثالثها عدم موافقة أميركا ولا أي دولة أخرى على توسيع الحرب ضد لبنان.
من وجهة نظر الحزب، فإن أي حل لهذه المعركة المفتوحة سيكون في السياسة والديبلوماسية. وهنا سيكون ملعبه لتحقيق شروطه وما يريده، لا سيما أن نصرالله كان قد استبق كل هذه التطورات بالقول إنه بمجرد وقف إطلاق النار في غزة، سيعني ذلك انتصار المحور برمّته. هنا لا قياس لحجم الدمار ولا لعدد الشهداء، إنما المعيار هو استمرار الحزب بقوته العسكرية القادرة على توجيه الضربات وتهجير الإسرائيليين، ليليها معيار آخر يتصل بشكل التسوية التي ستحصل وسيكون الحزب هو الأساسي فيها.
ففي موازاة المساعي المتجددة لوقف إطلاق النار في غزة، أو الدخول في هدن متقطعة أو الاستعداد الإسرائيلي لخوض معركة رفح على مراحل، فإن مسار التفاوض يتجدد لبنانياً- أميركياً وفرنسياً. وهذه المفاوضات تحصل حصراً مع حزب الله بشكل غير مباشر مع الرئيس نبيه بري. هنا لا بد من العودة إلى السؤال عن الإغراءات التي قدمت للحزب وتحدث عنها نصرالله أيضاً في كلامه الأخير، والتي قال إنه غير معني بها. جزء من هذه الإغراءات لا بد لها أن تظهر في مرحلة ما بعد وقف الحرب.
الانتصار في الداخل أيضاً
بناء عليه، يعبّر حزب الله عن ارتياحه. وهذا ما أبلغه وفد الحزب إلى وليد جنبلاط في الزيارة الأخيرة. ووفق هذا المنطق، سيعمل الحزب ديبلوماسياً في المفاوضات مع الخارج، وسياسياً في الداخل. وهو مقتنع بأن اسرائيل لن تشن حرباً على لبنان. كما أنه لا يزال يشكك بإمكانية خوض إسرائيل لمعركة رفح بالشكل الذي خيضت فيه معارك شمال غزة وخان يونس وغيرها.
صحيح أن حزب الله يصب كل تركيزه حالياً على مواجهات الجنوب، ويستعد لما سيليها بعد وقف الحرب على غزة. لكنه في المقابل يعمل استراتيجياً على تعزيز وضعيته الداخلية. فالانفتاح على جنبلاط، وقوى مسيحية أخرى من حلفاء ومستقلين أو مختلفين مع التيار الوطني الحرّ، بالإضافة إلى التقاطع مع باسيل، ومع بعض النواب السنّة.. كله يهدف الحزب من خلاله إلى فكفكة الكثير من الألغام السياسية، في إطار إعادة تشكيل ميزان القوى السياسي، تمهيداً لما سيأتي من الملف الرئاسي إلى الملفات الأخرى، وآخرها ملف اللاجئين السوريين.
بالانطلاق من كلام مسؤولي حزب الله وتعبيرهم عن ارتياحهم، لا بد أن الأنظار أصبحت كلها متركزة على المرحلة التي ستلي الحرب والمواجهات والوصول إلى لحظة التسويات، خصوصاً أن كل الضغوط الإقليمية والدولية تصب في هذا الاتجاه، إلا إذا كان هناك تغيّر في المسار، وبقي نتنياهو على عناده، وعادت الأمور إلى تحليلات كثيرة سبقت مرحلة بدء الإجتياح البري لقطاع غزة، وسط تشكيك الكثيرين بإقدامه على هذه الخطوة.