لم يعد الدفاع عن سعد الحريري أو تعداد محاسنه الوطنية أو عرض إيجابيات عودته عن تعليق العمل السياسي أو وجوده على رأس الحكم في لبنان أو التباهي باعتداله، قضية تيار “المستقبل” على الصعد السياسية والتنظيمية والجماهيرية، تماماً كما لم يعد يلتفت محبوه إلى أولئك الكَتَبَة الباحثين عن محتوى جاذب للمشاهدة والقراءة وغيرها من ادعاءات التسابق الصُحُفي غير المستند إلى وقائع موجودة مكتفين بما ترسمه مخيلاتهم من سيناريوهات يسعون من خلالها إلى إسقاط مجريات الأفلام والمسلسلات بصورة دراماتيكية على قصة رجل يُدرك مَنْ حوله أكثر فأكثر أنه بطل الجزء الثاني من الرواية السياسية التي ولدت في العام 1992 وتوهموا أنها طويت ذات يوم في العام 2005، متناسين أن شعلة القضية انتقلت بإرادة شعبية إلى بطل آخر علق عمله السياسي بإرادة شخصية مدفوعاً بهواجس كيانية لكنه عجز عن تعليق محبة الناس الذين أدركوا خامة شخصية سياسية لبنانية وعربية تتخلى عن كرسيها من أجل حماية وطنها لا العكس كما درجت العادة مهما بلغت معاناة الشعوب.
ولكن أمام عجز مَنْ توهم أن سعد الحريري قد انتهى لحظة قرر الخروج من السلطة والجلوس مع نفسه في فترات تأمل بما آلت إليه أحوال البلاد والعباد، انتقل أولئك الغيارى على الوطن والطائفة والمصير إلى العبث بحياته الشخصية، لا بل صحته النفسية والجسدية. فبعد أن صوّروه حليق الرأس، نحيل الجسد، شاحب اللون، فاقد الهيبة، فاجأهم بإطلالة جديدة كما لا يجرؤ كثير من السياسيين شغلت الخصوم قبل المحبين.
سعد الحريري كأي من البشر، يصيب ويخطئ، ينجح ويفشل، يحب ويكره، يفرح ويحزن، يعترف وينكر، لكن لا لم ينكر، فقد اعترف بأنه أصاب حيناً وأخطأ أحياناً، حاول فأفشلوه، ظنَّ خيراً فخذلوه، آمن فطعنوه، صافح فغدروه، لذا وجب عليهم الانتقال إلى الخطة “ب” التي تنص على تدميره وجمهوره وتياره معنوياً عبر تصويره كالشرير الماكر في الروايات والأفلام والمسرحيات، واقتربت نهايته الجسدية ليتحقق الخلاص للأبطال والمحقين والمحبين الوُدَعاء، مستغلين تاريخ ميلاده في شهر نيسان لإعطاء هالة كبيرة لروايتهم الواهمة ووسمها بصدفة إلهية في كتابة قصة شرير عثى فساداً بحق البشر والحجر حتى انتقم الله منه أشد انتقام وفي الشهر الذي ولد فيه. ففي محاولات بائسة تعبّر عن مدى تخبط أوليائها، يتمُّ الترويج لأوضاع صحية مزرية يرزح سعد الحريري تحت وطأة معاناتها الجسدية والنفسية، وتعود من جديد لعبة المصادر الخارقة المطلعة على علم الغيب والحاضرة في صلب الأقدار لحظة كتابتها.
الموت حق، فالموت الجسدي قرارٌ إلهي والموت الروحي فعلٌ بشري، أما الموت السياسي فهو إرادة شعبية وهنا بيت القصيد الذي يعجز الغيارى على الطائفة والوطن والمصير عن تحقيقه، فسعد الحريري حكاية سياسية كتبتها أيادٍ شعبية لا تنهيها أقلامٌ تنخرها أمراضٌ نفسية.
عاصم عبد الرحمن-لبنان الكبير