كأن البلاد لا تنقصها أزمات أو “مافيات” كي تضاف إليها واحدة جديدة. وهذه المرة من النوع الذي يمارس” الانتهاكات” و”التعديات” على حقوق الأطفال والقاصرين.
منذ أمس، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام بخبر ضبط عصابة تستهدف القصَّر وتغتصبهم بعد تخديرهم. وعلى الفور، تحرّكت القوى الأمنية والسلطات القضائية.
فأيّ تعاطٍ رسمي وقضائي تجاه هذه القضيّة الأكثر من حسّاسة؟ وهل ستصل الى خواتيمها؟ والأهم أيّ رادع أو تدبير يمكن أن يوقف تعدّيات مماثلة في المستقبل؟
من المعلوم أن العالم بات مفتوحاً إلكترونياً وضبط وسائل التواصل، ولا سيما بين أيادي الأطفال، بات صعباً الى حدّ الاستحالة. لكن أن يصل الأمر الى حدّ التلاعب والمتاجرة بهؤلاء، فإن المسألة تصبح أكبر من عمليات تواصل وأعقد من ضبط شبكات إلكترونية.
القصّة ليست بجديدة، إذ وفق المعلومات التي استقتها “النهار” من مصادر قضائية – أمنية “منذ نحو شهر ونصف شهر، قدّم عدد من الأطفال – القصّر، مع أهلهم، شكوى قضائية ضدّ عدد من “ال#تيك توكر” الذين استدرجوهم، بحجة أنهم يريدون تصويرهم من أجل أفلام، وعلى أساس ذلك يدعونهم الى حفل. وهناك، يتم تخديرهم واغتصابهم، وتصويرهم بهدف ابتزازهم للحصول على عدد إضافي من الأطفال، إلا أن عمل هذه العصابة أو التجهيز لا شك في أنه بدأ قبل أعوام”.
أحد القصّر تجرأ وأخبر أهله بما حصل، ولا سيما أن عدداً من العوارض بدأت تظهر عليه، نتيجة تعرّضه للاغتصاب والتعدّي الجسدي. وعلى الفور، تحركت العائلة، مع غيرها، وقدّموا شكوى قضائية أمام النيابة العامة في بعبدا، لعلّ التحقيق يتوسّع.
وهذا ما حصل بالفعل، إذ سرعان ما تبيّن أن هؤلاء “المشهورين” على “التيك التوكر” يتلاعبون بالأطفال، مستغلين “شهرتهم الافتراضية – الزائفة والوسخة” ويعملون مع عصابة محكمة، تبيّن أنها تتألف من أفراد ذوي جنسيات لبنانية، سورية وتركية، ما يعني أن ثمة عصابة أكثر من منظمة وتعبر الحدود.
المصادر القضائية تلفت “النهار” الى أنه ” تبّين حتى الآن، أن في هذه العصابة، نحو 30 شخصاً يعملون في تجارة الممنوعات والمخدرات، ونحو عشرة أشخاص يغتصبون الأطفال”.
وتؤكد أن “هذا الأمر تمّ بعدما تقدّم ثمانية أطفال، مع أهلهم، بشكوى أمام إحدى النيابات العامة في جبل لبنان، ما ساهم في فتح القضية على كل تفاصيلها، وحتى اللحظة، من الواضح أن الشبكة منقسمة قسمين. قسم يتولى المتاجرة بالممنوعات، وآخر بالتعديات الجنسية على الأطفال. وجميع هؤلاء، أو غالبيتهم، ذائعو الصيت عبر “التيك توك” ومواقع التواصل”.
ولكن، تحت هذين القسمين، ثمة “أعمال” أو أقسام أخرى لهذه العصابة المنظمة. منها من يتولى استدراج الأطفال عبر تقديم الهدايا والأموال، ومنها من ينظم الحفلات، ومنها من يصوّر هؤلاء الأطفال بعد استدراجهم وتخديرهم والاعتداء عليهم، ومنها من يعمل لاحقاً على ابتزاز هؤلاء.
إنه عمل أكثر من دنيء ومنظم.
أيّ تدابير؟
والأهم من كل ذلك، أي تدابير أو إجراءات اتخذت تجاه ما حصل؟
على صعيد قوى الأمن، تؤكد مصادر أمنية لـ”النهار” أن “السلطات اللبنانية نجحت في ضبط أفراد من هذه العصابة التي تستدرج الأطفال والقصَّر بهدف اغتصابهم وإجبارهم على تعاطي المخدرات، وهذا العمل تمّ بنجاح بالتعاون بين مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية ووحدة الشرطة القضائية في بيروت وجبل لبنان والشمال”.
وفي بيان رسمي، أفادت قوى الأمن الداخلي أنه “أوقف سبعة أشخاص مشتبه في ضلوعهم بقضايا ابتزاز واعتداءات جنسية على صغار”. (حتى كتابة هذا المقال).
وتكشف الأوساط الأمنية أن “رئيس مكتب مكافحة الجرائم باتريك عبيد تحرّك بعد تقديم الشكوى من الأطفال الثمانية، واستطاع مع “جمعية الأحداث” الكشف عن هوية الأطفال الآخرين للوصول الى العصابة”.
على مقلب التحقيقات، ترفض أوساط قضائية عبر “النهار” دخول لعبة الأسماء، وخصوصاً أن التحقيق لم ينته بعد، وإن كانت لا تخفي أن ثمة “تيك توكر” وأكثر، معروفين، وفي الأساس، فإن العملية لم تكن لتنجح لو أن البعض لم يستغلّ ما يُسمّى “شهرته”، لتنفيذ ما حصل، إن كان من خلال المتاجرة بالممنوعات أو التعديات الجنسية، وبعض من هؤلاء يملكون متاجر ومراكز تجميل وتزيين، وبالتالي يستغلون هذه النقطة لتقديم هدايا “مغرية” للأطفال والقصّر، واللعب طبعاً على وتر الدعاية الإلكترونية الباهرة للنجاح في عملية الاستدراج.
لا شك في أن التحقيق الآن سيتوسّع، بعدما نجحت السلطات والاجهزة المعنية في مسك الخيوط الأولى للعصابة، وبعد ارتفاع عدد من الشكاوى، إذ علمت “النهار” أن ما حصل شجّع الأطفال الآخرين وعائلاتهم على تقديم شكاوى، ما رفع عدد من الإفادات، الأمر الذي سيساهم في كشف مزيد من التفاصيل والمعطيات والأسماء المتورطة.
يبقى السؤال عن تمويل مثل هذا الأمر؟
يحكى أن التمويل تولّاه لبناني يقيم خارج البلاد، والتحقيقات تتوسّع الآن لمعرفة مدى ارتباط الأمر بعملية #تبييض الأموال وتقاسم الأرباح بين هؤلاء “المشهورين”.
الملف – القضية يتشعب، وتحت عنوان الجريمة البشعة واستغلال الاطفال، يبدو أن في الملف “رائحة” وسخة عن عصابات وأموال سوداء وتجارة ممنوعات عابرة للحدود، ويا للأسف تمرّ من لبنان، لئلّا نقول “تطبخ” هنا… والأهم من كل هذا التوصيف أن تصل الحقيقة الى خواتيمها وتعلن… لعلّ المتورّطين يحاكمون، وبعض الذين يستسهلون لعبة التواصل و”التيك توك”، من أهل وأطفال، أن يتحلوا بالوعي بدل الاستخفاف والتحجّج بالتلهي ومواكبة العصر.
“النهار- منال شعيا