أمل سيف الدين – الديار
لبنان، هذا البلد العريق بتاريخه، عندما تتوجه نحو طرقاته المتعرجة وشوارعه الضيقة، تواجه واقعاً مؤلماً ينطوي على اليأس والفقر المدقع. في كل زاوية، تجلس أرواح ملتصقة بجدران الفقر، تتلمس طرقاً للبقاء على قيد الحياة، تسول… تسول لتنال قوت يومك! تسول لتمحو جوع أطفالك! تسول لتروي عطش شيخوختك!!
في هذا البلد ينتشر التسول كوباء يمسح بريق الحياة من عيون الناس، ويحجب رؤية الأمل. ليس هناك فقط الفقر الذي يدفع الناس لتلك الأفعال اليائسة، بل هناك أيضاً الظروف الاقتصادية الصعبة والبطالة المستشرية والانهيار الاقتصادي، الذي يضعف الفرص ويزيد من وطأة اليأس.
وبينما يمر الناس في طرقات بيروت الضيقة، يصطدمون بأطفالٍ يمدون أيديهم بشكل مترهل، يتوسلون لقطعة خبز أو قليل من العملة المعدنية. هؤلاء الأطفال الذين يفتقدون حقهم في الطفولة، يعملون في مهنة التسول بشكل يومي، معرضين لخطر الاستغلال والعنف، وسط غياب تام للرعاية والحماية.
وفي هذا السياق، تجد القصص المؤلمة التي تخترق القلوب وتجعلك تشعر بالعجز والحزن. قصة طفل يبلغ من العمر سبع سنوات ينتظر والدته بجواره، بينما يعرض للبيع وقعة ماء معدنية بسيطة. قصة امرأة تتقطع أنفاسها في شارع مزدحم، تتوسل للناس لقليل من الرحمة، فتلقى نظرات الازدراء والاستهزاء.
يروي رامي قصة شاب في العشرينيات من عمره، يعيش في مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان. بعد فقدان عائلته في حرب سوريا، يجد رامي نفسه وحيداً في العالم، يعيش بمعاناة وصعوبة في ظل ظروف المخيم القاسية. يقضي رامي أيامه التي تمتد بلا نهاية في البحث عن قوت يومه في شوارع بيروت، يتسول للحصول على قليل من المال لشراء الطعام الضروري، وتأمين حياة مستقرة لنفسه. ومع كل نغمة يعزفها على آلته المتهالكة، يبعث رامي رسالة من الأمل والصمود لكل من يسمعه.
ومن بين هذه القصص، هناك صرخة الأمل التي تتمثل في جهود العديد من المنظمات غير الحكومية، والأفراد الذين يعملون بجد لمحاربة ظاهرة التسول، وتقديم الدعم للأشخاص الذين يعانون. إنهم يمنحون الفرصة للأطفال للعودة إلى المدرسة، ويقدمون الدعم النفسي والاجتماعي للأمهات، ويعملون على توفير فرص العمل والتدريب للشباب.
وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهها الكثيرون في لبنان، تأتي الجمعيات والمنظمات الخيرية كنور يضيء في ظلمة الحاجة، لتقدم يد العون والدعم للمتسولين والأسر المحتاجة. تعمل هذه الجمعيات على توفير الرعاية الاجتماعية والإنسانية والمساعدات المالية للفئات الأكثر احتياجا، وتسعى جاهدة لتخفيف العبء عن كاهلهم وتحسين ظروفهم المعيشية.
وهناك العديد من الجمعيات والمنظمات في لبنان التي تعمل على دعم ومساعدة المتسولين والفئات الأشد احتياجا. من بين هذه الجمعيات والمنظمات، جمعية الإغاثة الإسلامية في لبنان (IRCL)، جمعية الصليب الأحمر اللبناني ومؤسسة كاريتاس لبنان. وتتنوع الخدمات التي تقدمها هذه الجمعيات بما في ذلك توزيع المواد الغذائية والملابس، وتقديم الدعم الطبي والعلاجي، بالإضافة إلى توفير فرص العمل والتدريب المهني للمتسولين لمساعدتهم على تحسين وضعهم المعيشي وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
فلا تقتصر جهود هذه الجمعيات على تقديم المساعدات المادية فقط، بل تهتم أيضا بالجوانب النفسية والاجتماعية للمتسولين، وتقدم برامج دعم نفسي وتوجيهي لمساعدتهم في التغلب على الصعوبات، وتعزيز قدراتهم وثقتهم بأنفسهم. إن هذه الجمعيات والمنظمات الخيرية تعتبر ركيزة أساسية في بناء مجتمع متراحم ومتضامن في لبنان، حيث تعمل بكل إخلاص وتفانٍ على تحقيق العدالة الاجتماعية وتخفيف العبء عن الفئات الضعيفة والمحتاجة.
في لبنان، التسول ليس نشاطًا مشروعًا ولا يُعتبر قانونيًا، ينظم التسول بموجب القانون اللبناني تحت مفهوم “التسول والتسول العلني”، ويُعاقب عليه وفقًا للقوانين المحلية. المادة 586 من القانون اللبناني تحدد العقوبات للتسول، حيث يُعاقب كل من يتسول في الأماكن العامة بالسجن من شهر إلى عامين، وبغرامة تتراوح بين 50،000 و100،000 ليرة لبنانية، أو بإحدى العقوبتين. ومع ذلك، فإن القضاء على ظاهرة التسول في لبنان يتطلب جهودا متعددة المستويات، بما في ذلك توفير فرص العمل والدعم الاجتماعي للفئات الأكثر احتياجًا، بالإضافة إلى التوعية بمخاطر التسول ومساعدة الأفراد المتسولين في إيجاد حلول بديلة لتحسين وضعهم.
لبنان هذا البلد الجميل، لا يمكن أن يبقى طريح الفقر واليأس، بل يجب أن يكون مكاناً ينبض بالحياة والأمل للجميع، وعلى الجميع النظر إلى الواقع بصدق، وتقديم يد العون لأولئك الذين يعانون.