يحتار المرء الذي يعمل في مصنع الكلمة عمّا يمكن أن يكتبه من دون أن يقع في الرتابة القاتلة، ومن دون أن يدفع القارئ إلى الملل والقرف. فالمهمة ليست سهلة على الاطلاق. فالذين يقرأون هم الذين يتابعون كل كلمة تُكتب بشغف، ولكن بروح انتقادية لا ترحم. وهذا ما يجعل مهمة الذين يكتبون أو يحلّلون صعبة جدًّا. وهذا ما يجعل المسؤولية مضاعفة. وهذا ما يزيد من حجم وقع كل كلمة تصير بعد نشرها ملكًا للناس، ولا تعود تخصّ الشخص الذي يكتبها فقط. وقد يكون أجمل المقالات تلك التي تلقى صدىً لدى المتلقي، سواء أكان ترداد هذا الصدى إيجابيًا أو سلبيًا.
ويسألني صاحبي عن دوافع هذه المقدمة فلا أجد جوابًا مقنعًا سوى الإحساس بأن ما نكتبه لا يُقرأ كما يجب، وإن قُرئ يُعطى له أكثر من تفسير، ولكل تفسير مقام تبعًا لانتماء هذا الذي يقرأ. فثمة من يستطيب ما يُكتب لأنه يعتبر أن فيه كلامًا يدعم وجهة نظره، فيما يرى آخرون أنه من دون لون أو طعم أو رائحة لأنه بكل بساطة لم يأتِ معبّرًا عمّا يراه متطابقًا مع توجهاته.
وهكذا لا يجد الكاتب الصحافي المنسجم مع نفسه ومع ما يراه في كل مقال يكتبه مناسبًا للمقام المناسب لا “مع ستّي ولا مع سيدي بخير”. ولكن عندما لا يكون المرء مع هذا “السيد” أو مع تلك “الست” بخير فهذا يعني أن كل كلمة تُكتب قد أصابت الهدف. هذه هي حال الذين يتعاملون مع الكلمة المسؤولة والموزونة والمستندة إلى تحليل موضوعي، ومدعّمة بمعلومات مستقاة من مصادر ذات ثقة وصدقية.
الخبر الذي جعل كاردي بي تفقد أعصابها على الهواء!
فإذا كتب أحدنا ما يتطابق مثلًا مع وجهة نظر زيد يحرد عمر. وإذا كان ما يكتبه يلامس مشاعر عمر يزعل زيد. وهكذا تدور الدائرة على جميع الأطراف اللبنانية، التي لا تتوافق حتى على طريقة الإنقاذ. فلكل من هذه الأطراف رأي مخالف للرأي الآخر. ولأن كل طرف يعتبر أنه يملك الحقيقة المطلقة يبدو ما يُكتب غير متطابق مع هذه الحقيقة النسبية، ويصنَّف الكاتب بالتالي في خانة المتهمين بتضييع الرأي العام وتشتيت أفكاره.
لذلك نقول إن من يلجأ إلى الكتابة للتعبير عن رأي معيّن يقع في حيرة من أمره، ويجد نفسه أمام خيارات أحلاها مرّ، خصوصًا إذا كان هذا الكاتب يتمتع باستقلالية القرار، وغير مرتبط بأي جهة سياسية. وهذه الاستقلالية غير المقيّدة سياسيًا لا تعني بالضرورة، كما يحلو للبعض تصويرها، أنه ليس لكاتبها رأي سياسي أو موقف. فهو في نهاية المطاف ابن بيئته، ولا يمكنه بالتالي أن ينسلخ عن واقعه. فما يكتبه يكون عادة نابعًا من شعوره المطلق بهذا الانتماء غير الخاضع للامتحان أمام هذه الجهة أو تلك. ومن يجرؤ على القول إن هذه الجهة أو تلك تملك الحقيقة الكاملة والمجرّدة، ومن يستطيع أن يجزم بأن خياراته هي التي يمكن أن توصل فعلًا إلى انقاذ لبنان من هذا الكمّ الهائل من المشاكل التي يتخبّط بها؟
في النهاية من يعبّر عن رأيه كتابة وقولًا وفعلًا، وهو يشعر بأن ما تكّون لديه من خبرة تسمح له بأن يكون حرًّا، مع ما تعنيه هذه الحرية من مسؤولية. فالحرية من دون مسؤولية تصبح نوعًا من الفوضى، التي تكاثرت هذه الأيام لعدم وجود من يمارس حريته بحرية. فما نشهده على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي من تفلت أخلاقي لهو أكبر دليل على أن “الطاسة ضايعة”. وعندما “تضيع الطاسة” تدّب الفوضى. وعندما تسود هذه الأخيرة وتجتاح العقول والنفوس يصبح المجتمع بأسره في حال من الخطر الداهم، الذي يهدّد الكيان والوجود.
يحتار المرء الذي يعمل في مصنع الكلمة عمّا يمكن أن يكتبه من دون أن يقع في الرتابة القاتلة، ومن دون أن يدفع القارئ إلى الملل والقرف. فالمهمة ليست سهلة على الاطلاق. فالذين يقرأون هم الذين يتابعون كل كلمة تُكتب بشغف، ولكن بروح انتقادية لا ترحم. وهذا ما يجعل مهمة الذين يكتبون أو يحلّلون صعبة جدًّا. وهذا ما يجعل المسؤولية مضاعفة. وهذا ما يزيد من حجم وقع كل كلمة تصير بعد نشرها ملكًا للناس، ولا تعود تخصّ الشخص الذي يكتبها فقط. وقد يكون أجمل المقالات تلك التي تلقى صدىً لدى المتلقي، سواء أكان ترداد هذا الصدى إيجابيًا أو سلبيًا.
ويسألني صاحبي عن دوافع هذه المقدمة فلا أجد جوابًا مقنعًا سوى الإحساس بأن ما نكتبه لا يُقرأ كما يجب، وإن قُرئ يُعطى له أكثر من تفسير، ولكل تفسير مقام تبعًا لانتماء هذا الذي يقرأ. فثمة من يستطيب ما يُكتب لأنه يعتبر أن فيه كلامًا يدعم وجهة نظره، فيما يرى آخرون أنه من دون لون أو طعم أو رائحة لأنه بكل بساطة لم يأتِ معبّرًا عمّا يراه متطابقًا مع توجهاته.
وهكذا لا يجد الكاتب الصحافي المنسجم مع نفسه ومع ما يراه في كل مقال يكتبه مناسبًا للمقام المناسب لا “مع ستّي ولا مع سيدي بخير”. ولكن عندما لا يكون المرء مع هذا “السيد” أو مع تلك “الست” بخير فهذا يعني أن كل كلمة تُكتب قد أصابت الهدف. هذه هي حال الذين يتعاملون مع الكلمة المسؤولة والموزونة والمستندة إلى تحليل موضوعي، ومدعّمة بمعلومات مستقاة من مصادر ذات ثقة وصدقية.
فإذا كتب أحدنا ما يتطابق مثلًا مع وجهة نظر زيد يحرد عمر. وإذا كان ما يكتبه يلامس مشاعر عمر يزعل زيد. وهكذا تدور الدائرة على جميع الأطراف اللبنانية، التي لا تتوافق حتى على طريقة الإنقاذ. فلكل من هذه الأطراف رأي مخالف للرأي الآخر. ولأن كل طرف يعتبر أنه يملك الحقيقة المطلقة يبدو ما يُكتب غير متطابق مع هذه الحقيقة النسبية، ويصنَّف الكاتب بالتالي في خانة المتهمين بتضييع الرأي العام وتشتيت أفكاره.
لذلك نقول إن من يلجأ إلى الكتابة للتعبير عن رأي معيّن يقع في حيرة من أمره، ويجد نفسه أمام خيارات أحلاها مرّ، خصوصًا إذا كان هذا الكاتب يتمتع باستقلالية القرار، وغير مرتبط بأي جهة سياسية. وهذه الاستقلالية غير المقيّدة سياسيًا لا تعني بالضرورة، كما يحلو للبعض تصويرها، أنه ليس لكاتبها رأي سياسي أو موقف. فهو في نهاية المطاف ابن بيئته، ولا يمكنه بالتالي أن ينسلخ عن واقعه. فما يكتبه يكون عادة نابعًا من شعوره المطلق بهذا الانتماء غير الخاضع للامتحان أمام هذه الجهة أو تلك. ومن يجرؤ على القول إن هذه الجهة أو تلك تملك الحقيقة الكاملة والمجرّدة، ومن يستطيع أن يجزم بأن خياراته هي التي يمكن أن توصل فعلًا إلى انقاذ لبنان من هذا الكمّ الهائل من المشاكل التي يتخبّط بها؟
في النهاية من يعبّر عن رأيه كتابة وقولًا وفعلًا، وهو يشعر بأن ما تكّون لديه من خبرة تسمح له بأن يكون حرًّا، مع ما تعنيه هذه الحرية من مسؤولية. فالحرية من دون مسؤولية تصبح نوعًا من الفوضى، التي تكاثرت هذه الأيام لعدم وجود من يمارس حريته بحرية. فما نشهده على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي من تفلت أخلاقي لهو أكبر دليل على أن “الطاسة ضايعة”. وعندما “تضيع الطاسة” تدّب الفوضى. وعندما تسود هذه الأخيرة وتجتاح العقول والنفوس يصبح المجتمع بأسره في حال من الخطر الداهم، الذي يهدّد الكيان والوجود.