ارتفع في الأسابيع الأخيرة معدّلُ الجرائم التي يرتكبها سوريون في لبنان، لا سيما جرائم القتل التي باتت تثير القلق إلى حدّ كبير، وأضحت سبباً مباشراً للمطالبة بترحيل النازحين السوريين إلى بلادهم أو أي وجهة أخرى، كما أضحت مادة سجال سياسية حادة، خصوصاً بعد إعلان المفوضية الأوروبية أخيراً دعم لبنان بمبلغ مليار يورو، عدها معارضون «رشوة» تهدف إلى إبقاء النازحين في البلاد.
وما زاد من نقمة الشارع اللبناني أخيراً، تورّط سوريين في عدد من الجرائم الخطيرة للغاية، أبرزها اشتراك 6 أشخاص من التابعية السورية في جريمة خطف وقتل منسّق حزب «القوات اللبنانية» في مدينة جبيل باسكال سليمان، ورمي جثته داخل الأراضي السورية، ثمّ إقدام السوري خلف برغش، قبل أيام، على قتل الموظفّة في أحد فنادق بيروت زينب معتوق، لأسباب ما زالت مجهولة، وفراره إلى بلاده، قبل أن يُختتم الأسبوع الماضي على جريمة طعن شخصين من التابعية السورية طفلاً لبنانياً في منطقة فرن الشبّاك، ومحاولة قتله قبل أن تنقذه العناية الإلهية.
مسؤولية الدولة
وهناك أسباب عدة تحفّز بعض السوريين المقيمين في لبنان، سواءً كانوا نازحين أو مقيمين بصورة شرعيّة، على مخالفة القانون وارتكاب الجرائم، منها الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وتراجع قدرة الدولة في فرض سلطة القانون.
ويعدُّ الباحث في الشؤون الأمنية العميد خالد حمادة أن «المشكلة الأساس تكمن في عدم تعامل الدولة بمسؤولية مع أزمة النزوح منذ البداية، وغياب الضوابط التي تجعل وجود النازحين تحت رقابة السلطات الأمنية». ويرى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الدولة «لم تتعامل مع النازح السوري كما تتعامل معه تركيا والأردن ومصر وغيرها من الدول»، محملاً الدولة اللبنانية «المسؤولية الكبرى عمّا آلت إليه الأمور لجهة تفشّي الجريمة على نطاق واسع»، مبدياً خشيته من أن «تستخدم بعض الأطراف ورقة النازحين في التوظيف السياسي».
ضعف الإمكانات الأمنية
وتعترف المؤسسات الأمنية اللبنانية بضعف إمكاناتها وتراجع قدرتها على فرض سلطة القانون والأمن الاستباقي. ويشدد مصدر في وزارة الداخلية على أن «تنامي الجريمة ليس سببه التقصير المتعمّد من الأجهزة الأمنية، بل تراجع قدراتها وإمكاناتها بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة».
ويؤكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن «المشكلة الكبرى تكمن في تقليص عديد الضباط والعناصر لدى الأجهزة، خصوصاً قوى الأمن الداخلي الموكل إليها حماية الأمن وتطبيق النظام في الداخل». ويقول: «لا يعقل أنه منذ عام 2017 لم تجر أي مباراة لتعيين عناصر أمن جديدة بسبب قرار الدولة وقف التوظيف، مقابل النزف الهائل في المؤسسة، عبر إحالة المئات سنوياً إلى التقاعد، واستقالة المئات بسبب الأزمة المالية وتدني الرواتب إلى الحدّ الأقصى»، مشيراً إلى أن الوزارة «حاولت الاستعانة بشرطة البلديات، خصوصاً في العاصمة بيروت، لسدّ الفراغ الناشئ لدى القوى الأمنية، لكنها لم تثبت فاعليتها بشكلٍ كافٍ».
الحاجة إلى قرار سياسي
لكن ضبط الوضع الأمني ومكافحة الجريمة لا يشترط في رأي العميد حمادة زيادة أعداد عناصر الأمن بقدر ما يحتاج إلى قرار سياسي تطبقه الأجهزة الأمنية على الأرض. ويقول حمادة إنه «يمكن ضبط وضع النازحين، وبالتالي تقليص جرائمهم إلى حدّ كبير، عندما يجري إخضاعهم للقانون، ويتم وضعهم تحت سلطة الرقابة، سواء من البلديات أو دوريات قوى الأمن، والتفريق بين من تنطبق عليه صفة النازح ومن يستغلّ هذه الصفة لغايات أخرى».
ويشدد حمادة على أن السوريين الذين يرتكبون الجرائم في لبنان «يتأثرون بالبيئة، فعندما يجدون أن القانون لا يحترم ولا يشعرون بإجراءات قضائية فاعلة، فهذا يشجّعهم على ارتكاب المخالفات والتمادي في ارتكاب الجرائم».
جرائم النازحين في أرقام
وأعدت مؤسسة «الدولية للمعلومات» تقريراً منتصف الشهر الماضي عن نسبة الجرائم التي يرتكبها سوريون، فأوضحت أنّ «40 في المئة من السوريين على الأراضي اللبنانية يقيمون بصورة غير شرعية، فيما يبلغ العدد التقديري للنازحين حسب الأمن العام اللبناني نحو مليونين و100 ألف، أي ما يعادل 43 في المئة من عدد المقيمين على الأراضي اللبنانية».
وأوضح التقرير أن «نسب الجرائم التي ارتكبها موقوفون سوريون في السجون اللبنانية تتوزّع وفق التالي: 22 في المائة مخالفة أنظمة وقوانين، 19 في المائة جرائم مختلفة، 18 في المائة نصب واحتيال وترويج عملة مزوّرة ومخدرات، 15 في المئة دخول غير شرعي، 8 في المئة تهريب أشخاص وسرقات، 7 في المئة تزوير، و3 في المئة جرائم قتل».
وطالما أن عدد السوريين في لبنان يفوق ثلث عدد اللبنانيين، فمن الطبيعي أن يصبح عدد الموقوفين ثلث عدد السجناء في لبنان، وفق تعبير مصدر أمني مطلع. ويقول المصدر لـ«الشرق الأوسط»: «لم يرتكب كل السوريين الموقوفين جرائم بمفردهم، بل أغلبهم ينتمون إلى عصابات وشبكات يقودها لبنانيون، يستسهلون استمالة السوريين وإشراكهم في أفعالهم»، لافتاً إلى أن «هناك عصابات محترفة ناشطة في مجال سرقة السيارات والاتجار بالمخدرات والسطو، تغري بعض السوريين بالمال وتجندهم للعمل لصالحها».
يوسف دياب -“الشرق الأوسط”