خدمة المحفظة الإلكترونية، أو الـ E WALLET باتت جزءاً حيوياً من عمليات التداول المالية اليومية في لبنان. والأزمة المالية التي مهّدت لها، كواحدة من الحلول للقيود التي فرضتها المصارف على تحويلاتها المالية، تدفع بشركات تحاويل الأموال لإبتكارات يومية من أجل تثبيت حصصها المتنامية. هذا في وقت لا تزال شركتا الإتصالات اللبنانية MIC1 أو «ألفا» وMIC2 أو «تاتش»، متخلفتين عن المبادرات الشبيهة، أقّله مقارنة بدول قريبة نجحت فعلاً في وضعها من ضمن سلة خدماتها المقدمة عبر شركات الإتصالات.
على رغم مرور أكثر من سبعة أشهر على بدء الحديث عن خدمة المحفظة الإلكترونية عبر شركتي الإتصالات، لا ملامح لدفتر شروط بعد، لا لتقديمه مباشرة من خلال إستدراج عروض شركات التكنولوجيا التي يمكنها أن تزود «ألفا» و»تاتش» بالبرمجيات المطلوبة لتشغيل كل منهما محفظتها الإلكترونية بنفسها، ولا لإستدراج العروض الذي يمكن أن تتلقاه كل منهما من شركات تحويل الأموال الخاصة. هذا في وقت يشير إزدهار المحافظ الإلكترونية على مستوى شركات تحويل الأموال، وحتى الناشئة منها، إلى تعطش السوق لخدمة تشكل قاعدة مشتركي «ألفا» و»تاتش»، وسهولة الوصول إليها، أبرز مقومات نجاحهما بتأديتها.
لم يعد خافياً أنّ مبادرات شركتي الإتصالات، عكّرتها النيّات التي كشفت عن التوجه لتشغيل المحفظة الإلكترونية لكل منهما بواسطة شركات خاصة. كادت «ألفا» ترسي عقدها الرضائي لتقديم هذه الخدمة مع واحدة من تلك الشركات، لولا الممانعة التي ظهرت في لجنة الإعلام والإتصالات النيابية من قبل مجموعة نواب، حوّلت ممانعتها لاحقاً الى سؤال نيابي. هذا في وقت أعلنت «تاتش» عن توجهها لإطلاق الخدمة من ضمن قوانين المنافسة المنصوص عليها في هيئة الشراء العام، المصرّة على أنّه على شركتيّ الخلوي إطلاق الخدمة بشكل مباشر. بعد أخذ ورد طويلين داما نحو خمسة أشهر تقريباً، نقلت رئاسة الحكومة عن وزير الإتصالات جوني القرم في تقديمه لمطالعة تبناها عن شركة «ألفا» نهاية شهر شباط الماضي، أنّ العقد الرضائي لم يوقّع، وأن الوزارة بصدد إطلاق مزايدة لخدمة المحفظة الإلكترونية من خلال هيئة الشراء العام، معتبراً مطالعة ألفا «جواباً نهائياً» على سؤال النواب حول السبب الذي يحول دون تقديم شركتي الخلوي لخدمة المحفظة الإلكترونية مباشرة، كما تنصّ توصية هيئة الشراء العام الأولى. تخطت المطالعة التي لم يطّلع عليها الرأي العام بشكل كاف حتى الآن، الذريعة الأولى التي كان القرم قد نقلها عن شركتي الإتصالات، حول صعوبة الإستحصال على رخصة من مصرف لبنان، بعدما نُقل عن حاكم مصرف لبنان عدم وجود أي ممانعة في هذا الإطار. لا بل على العكس، أظهرت السياسات المالية المعلنة لمصرف لبنان خلال هذه الفترة عن توجه للحد من التداولات المالية النقدية، ترجمت أخيراً بالتأكيد على تشجيع الإبتعاد عن الكاش، مع التذكير بالتعميم الصادر عن مصرف لبنان العام الماضي تحت الرقم 69 والذي منحت بموجبه تراخيص لعدد من المحافظ الالكترونية المستوفية للشروط.
بالطبع لم تكن لا «ألفا» ولا «تاتش» من ضمن المستفيدين من تراخيص هذه المحافظ. لا بل أقرت «ألفا» في متن مطالعتها المذكورة، بأنها لم تتقدم أساساً بطلب مثل هذا الترخيص، وعلّلت ذلك بعناصر فشل محتملة في إدارة هذه الخدمة، من دون التطرق الى عنصر قوتها الأساسي المتمثل بقاعدة مشتركي الخلوي.
تبريرات «ألفا»
وانتهى التحليل الذي أجرته ألفا «للشروط المسبقة والتحديات في بناء وإدارة منصة المحفظة الإلكترونية»، الى إستنتاج ثلاث لاءات تقول إنها تحول دون تقديمها هذه الخدمة من دون وسيط: فهي لا تملك الإمكانيات كما تحاول أن تبين في المطالعة، لا تريد تحمل مخاطرها، وبالتالي لا رغبة لديها بتقديمها.
– أولاً بالنسبة لعدم إمتلاك الشركة الإمكانيات:
كشفت «ألفا» عن ضعف في كادرها الوظيفي ناجم عن إستقالات تسببت بها الأزمة المالية، خبرة محدودة، حاجة لتحسين المهارات، قيود في تأمين الموارد والقوى العاملة وخصوصاً من مطوري البرامج ومحللي الأمن السيبراني وموظفي خدمة الزبائن، ومتخصصين في مجال تسويق وتطوير وإدارة منصة المحفظة الالكترونية. أما المصاريف التشغيلية المطلوبة لتشغيل المحافظ الإلكترونية، فشكلت نقطة ضعف أخرى، وهي برأيها تتخطى البرمجيات التي دعيت لإستدراج العروض حولها، الى ما هو مستتر من رسوم برأيها، وإلى نفقات تطوير وتحديث برمجيات، ولإنشاء بنية تحتية آمنة من تكنولوجيا التشفير وأنظمة منع الإحتيال، بالإضافة الى الرسوم القانونية والنفقات الإدارية، ومصاريف حملات التسويق الأساسية وإستقطاب المستخدمين، والبرامج التحفيزية.
– ثانياً بالنسبة لعدم الرغبة بتحمل المخاطر:
رأت «ألفا» أنّ بناء قدراتها للإستفادة من إمكانات سوق المحفظة الإلكترونية قد يستغرق فترة تتراوح بين سنتين وثلاث سنوات تقريباً، ستكون محفوفة بتحديات. كما أبدت «ألفا» خشيتها من الفشل، في تطبيق تعميم مصرف لبنان الرقم 69، والذي يشترط الحفاظ على رأسمال أدنى يودع في مصرف لبنان بقيمة خمسين مليار ليرة لبنانية، وإعادة تشكيل هذا الرأسمال في حالة الخسائر خلال ستة أشهر، تحت طائلة سحب رخصة تشغيل المحفظة الإلكترونية. وهذا ما اعتبرته تحدياً أساسياً.
هذا بالإضافة الى تقديمها جردة بالتحديات المرتبطة بإستخدام الموارد، تكوين الخبرة البشرية، الإستثمارات المالية، الإنفتاح على أنظمة المالية المعقدة، نفقات التطوير التكنولوجي، بناء البنية التحتية، إدارة المخاطر التشغيلية والقانونية وضمان الإلتزام بالمتطلبات المتطورة. ورأت أنّ هذه التحديات تحتاج لنفقات قد تقلص الأرباح وتعرض المحفظة الإلكترونية للفشل.
– ثالثاً في ما يتعلق بعدم الرغبة:
التعليل الأبرز لدى «ألفا» لعدم رغبتها في خوض تجربة المحفظة الإلكترونية على رغم إعترافها بأن إنشاء المحفظة الإلكترونية الخاصة بشركة الخلوي تبدو مسألة مغرية، هي في أن شركتَي الخلوي محليتان، تخدمان عدداً محدداً من المستخدمين، ولا تمتلكان إمتدادات عالمية كشركات الخلوي العالمية.
في المقابل أبرزت «ألفا» نقاط القوة التي تمتلكها الشركات الخاصة التي قد تتولى هذه المهمة، من قدرة على دخول الأسواق بسرعة، وعلى الإبتكار المستمر، وما تمتلكه من خبرات في مجال التكنولوجيا، وفي ضمان الإلتزام بمتطلبات الأنظمة المتعددة واللحاق بتطورها، وقدرة أيضاً على التأثير على بعض التشريعات بما يخفف العبء التنظيمي على مزود الخدمة الخلوية، وعلى المشاركة في المخاطر التشغيلية والمالية بما يكفل حلولاً أكثر مرونة.
إدارة متشائمة تخاف التطوير
مصدر خبير في قطاع الإتصالات علق على ما ورد في هذه المطالعة، مشيراً إلى أنها تترك إنطباعاً «بأننا أمام إدارة متشائمة، تخاف التطور والتطوير، ولا يدخل ضمن تقييمها معايير الإنتاجية، وتفضّل البقاء في منطقة الأمان، مستندة على جباية الضرائب من جيوب المواطنين». كما لمس من خلال المطالعة غياب حس المبادرة لدى هذه الإدارة، وعدم ثقتها لا بنفسها ولا بالـ700 موظف تقريباً في كل شركة، والذين عادوا الى تقاضي رواتبهم بالدولار الـfresh بقرار من وزير الإتصالات». واستهجن ما يُلاحظ من خلال المطالعة من سعي لدى شركتي الإتصالات وراء حصة من إيرادات إضافية، من دون أي عمل منتج ومستدام يساهم في زيادة الخدمات الأساسية والخبرات وقيمة الشركة».
واعتبر المصدر أنّ معظم الصعوبات التي تم الحديث عنها إفتراضية، تضرب المبدأ العام الذي يقوم على تقديم الشركتين الخدمة بأنفسهما وتشيطنه، بينما كان المنتظر الإستفاضة في تقديم التحليلات والدراسات لمبدأ الـsoftware as a Service المطروح للإنطلاق بهذه الخدمة.
لا شك أنّ المقاربتين المختلفتين لكيفية تقديم خدمة الـE WALLET حتى الآن، تبقيان الأبواب مفتوحة على جدل، من الممكن حسمه من خلال توضيح السياسات الإستراتيجية التي تسير بها الوزارة في إدارة قطاع الإتصالات، مع الأخذ بالإعتبار أنّ الإستراتيجيات، تحددها المصلحة العليا للدولة وماليتها التي يمكن أن تتحقق من أي خدمة تسعى لتوفيرها، وهي بالتالي لا تحدد قياساً للأهلية الآنية لإدارتي شركتي الخلوي اللتين تخضعان للوصاية التامة لوزارة الإتصالات. وهذا فقط إذا إفترضنا حسن النيّات لدى الجهات التي تسعى لتلزيم هذه الخدمة لشركات تحويل الأموال، والتي اعتبرها مدير عام هيئة اوجيرو عماد كريدية في حديث أدلى به في 15 نيسان الماضي «المصارف الجديدة». وقد علَق على ما يثار من جدل حول تقديم المحفظة الإلكترونية عبر شركتي الخلوي بالقول: «إن رفع الدروع الكبيرة في وجه تأدية الدولة لهذه الخدمة مباشرة عبر شركتي الخلوي، يفهم عندما نفهم من كانت المصارف السابقة ومن هي المصارف الجديدة حالياً».
فأين تكمن إذاً حقيقة الإصرار على تسليم الخدمة عبر شركة الخلوي لـ»المصارف الجديدة»؟ هل هي في مطالعة «ألفا» أو في دروع «المصارف الجديدة» الطامحة لمصادرة هذه الخدمة قبل إطلاقها؟