وكأن “القبضة” اللبنانية أرادت إحكام سيطرتها على ملف النازحين السوريين الى لبنان. هذا ما بدا بالامس، من خلال مشهدية ثلاثية طبعت اليوم بأكمله.
في المشهد الاول، عودة تسيير القافلات عبر رحلات العودة الطوعية، بعد توقف استمر نحو سبعة اشهر.
في المشهد الثاني، تسطير عناصر من الامن العام محاضر ضبط وإقفال محال تجارية لعدد من النازحين، في مختلف المناطق اللبنانية، عبر ختمها بالشمع الاحمر.
في المشهد الثالث، مراقبة البلديات لاوضاع النازحين المقيمين في نطاقها، عبر التأكد من اوراقهم واماكن عملهم، ومنعهم من تشغيل اولاد قاصرين معهم.
هذا في الشكل الذي أتى في توقيت لافت، عشية الجلسة العامة التي سيعقدها مجلس النواب اليوم لمساءلة الحكومة حول الهبة الاوروبية الاخيرة، وقبيل انعقاد مؤتمر بروكسيل نهاية الشهر الحالي، والذي سيشارك فيه لبنان عبر وزير الخارجية عبدالله بوحبيب.
كل هذه “الحركة” يؤمل ألا تكون مجرد “همروجة”محصورة بفترة زمنية محددة، بل ان تعكس توجها لبنانيا رسميا عبر خطة نهائية لإطفاء كرة النار التي كبرت جدا.
اوساط حكومية تؤكد لـ”النهار” ان “الحكومة ماضية في عملها وفي تنفيذ ما اتخذناه من قرارات. العمل بدأ، وهو مستمر. والاجراءات الحكومية والوزارية اكثر من واضحة وصارمة”.
وتكتفي الاوساط بهذا الكلام، مشيرة الى ان “موقفا مفصلا سيعبّر عنه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي امام النواب خلال الجلسة اليوم في ساحة النجمة”.
مراحل “الداتا”
امام كل هذه “النية” اللبنانية التي تظهّرت اخيرا، ثمة سؤال اكثر من مشروع وملحّ يتعلق بـ”داتا” النازحين التي سلمتها المفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون اللاجئين، الى الامن العام، اذ من المعلوم ان هذه “الداتا” اتت ناقصة ومنقوصة، فما هي الخطوة المقبلة التي يُفترض ان تتخذ في هذا المجال؟
تقول مصادر امنية لـ”النهار” ان “لبنان الرسمي والامني يتعامل بكل جدية مع ملف النزوح. وما عودة تسيير القافلات والتشدد في ضبط المخالفات واقفال بعض المحال، سوى اكبر دليل على هذه الجدية. هذه نقطة البداية وستُستكمل بمزيد من الخطوات”.
اما في ما يتعلق بملف “الداتا” فتؤكد المصادر نفسها ان “التدقيق في ملف الداتا الذي سُلم الى الامن العام اظهر ان ثمة نقصا. من هنا، اعاد الامن العام الطلب الى المفوضية لمزيد من التحقق والتدقيق في الارقام. وبالتالي، فان هذا الموضوع رهن المتابعة بين الطرفين”.
فكما أصرّ الامن العام على تسليمه “الداتا” في البدء، هو مصرّ الآن على مزيد من التدقيق في الارقام، بعدما أتت ناقصة، من دون ان يخفي ان تسليمه الارقام سيكون بمثابة عامل اضافي للضغط على ضرورة ترحيل النازحين الى بلادهم.
ومعلوم ان مراحل تسليم “الداتا” مرّت بكثير من المحطات، قبل ان يتسلم الامن العام قاعدة البيانات الخاصة بالنازحين نهاية عام 2023 ، بعد عام كامل من المطالبة اللبنانية بالارقام.
وبعد المقارنة من جانب الامن العام بين الارقام التي في حوزته و”الداتا” التي سلّمت اليه، عاد وطالب “بداتا” اكثر تفصيلا.
والآن، تعمل المفوضية على مراجعة طلب الامن العام، لاسيما ان ثمة اتفاقا لتبادل البيانات وقّع بين الجانبين في 8 آب 2023، يلزم المفوضية “التعاون الطويل الامد مع الحكومة اللبنانية، شرط احترام الحماية الدولية والمعايير العالمية لحماية البيانات”.
وامام هذا الالتزام اللبناني، سلمت “الداتا” في كانون الاول 2023. واليوم، سيستكمل العمل عبر مراجعة طلب الامن العام بارسال “داتا” مفصلة اكثر.
بالامس، اعاد مشهد تسيير رحلات العودة الطوعية للنازحين السوريين من الأراضي اللبنانية إلى مدنهم وقراهم في سوريا، الزخم الى هذا الملف النازف، وخصوصا بعد إعلان رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس، عن دعم أوروبي للبنان بقيمة مليار يورو. فهل سيكون مؤتمر بروكسيل الثامن الذي سيعقد في 26 أيار الحالي تحت عنوان: “دعم مستقبل سوريا والمنطقة” محطة مفصلية بالنسبة الى لبنان، من اجل عودة النازحين؟ والاهم هل سيعمل الامن العام والقوى الامنية والعسكرية اللبنانية، بعد المطالبة بـ”داتا” مفصلة، على ضبط الحدود والمعابر من اجل رصد جميع السوريين الداخلين إلى لبنان والخارجين منه؟! وإلا ستبقى كل هذه الاجراءات “همروجة” زمنية… ولن تنفع اي “داتا” في ضبط الاوضاع، لان المسألة ابعد من مجرد ارقام وأعداد مفصلة او منقوصة، بل هي في احترام سيادة لبنان وبسط سلطة الدولة على كامل الاراضي اللبنانية… منعاً لاي تغيير ديموغرافي او حتى جغرافي..!
“النهار”- منال شعيا