ندى عبد الرزاق – “الديار”
يعتبر الطلاق حدثا اجتماعيا وقانونيا يحصل عندما يقرر الزوجان إنهاء علاقتهما الزوجية، ويكون له تأثيرات عميقة في الأفراد والمجتمع بشكل عام. ووفقا لمصدر قانوني يقسم الى نوعين مختلفين هما:
الطلاق النافذ: وهو الأكثر شيوعا، حيث يتم التصريح علنا عن انفصال الزوجين وتسجيله رسميّاً، ويتضمن اجراءات قانونية تشمل تقديم الأوراق وحكم قضائي لإنهاء عقد النكاح.
– الطلاق الصامت: يحدث عندما يتعاهد الفريقان على التحرر دون جهر علني أو الكشف عن تفاصيل التسوية، ويجري هذا الاتفاق تحت اشراف محامي متخصص بقضايا الأحوال الشخصية. ويكون الهدف غالبا من اعتماد هذا المسار لتحصين خصوصية العائلة، وتجنب الضجة الإعلامية أو الانتقادات الاجتماعية. إشارة الى ان هذا النوع من الافتراق بات منتشرا في المجتمع العربي عموما ولبنان خصوصا ، وتكمن صعوبته في عدم قدرة الأحوال الشخصية على إحصاء ارقامه، بحيث ان الزوجين يستمران بالعيش في نفس المنزل، لكن لكل واحد منهما حياته الخاصة ولا يتدخل أي طرف بالآخر.
وأوضح المصدر لـ “الديار” ان “الطلاق الجسدي ليس مصطلحا قانونيا معترف به رسميا في كثير من التشريعات، لذلك ليس من السهل التطرق الى إحصائيات دقيقة حوله على المستوى العالمي والعربي أو على الصعيد المحلي”.
تعددت الأسباب والسراح واحد!
بالموازاة، تكاثرت نسب الطلاق خلال الأعوام الاربعة الماضية، ومن ضمنها عدد من حالات انفصال الخطوبة وخلفها حالات طلاق صامتة، اما بسبب الخوف من نظرة المجتمع أو العجز عن تحمّل نفقات الخلع والمسؤولية.
وفي هذا المجال، أكدت مصادر في المحاكم الشرعية السنية والجعفرية ومراجع كنسية لـ “الديار” ان “أرقام الطلاق الجسدي باتت مقلقة، لان هذا النوع من التفريق يُدمّر حياة ومستقبل الاطفال، ويزعزع شخصيتهم ويضر بصحتهم النفسية والجسدية ويضعف معنوياتهم. ولفتت المصادر الى “ان الازمات النقدية المتلاحقة، سرّعت من عمليات الهجران وبشكل خاص خلال فترة جائحة كورونا في العام 2020”.
بالموازاة، قال مصدر في دائرة الإحصاء في المديرية العامة للأحوال الشخصية لـ “الديار” ان “المؤشر العام لنسب الطلاق من أصل الزيجات المعقودة اضحى مخيفا، لا سيما في الفترة الاخيرة. ففي العام 2020 ارتفعت نسبة الطلاق إلى 23.03% بعدما كانت 20.08% عام 2019. اما في العام 2022 فوصل المعدل إلى 26.5% بعدما ثبت على 23.03% عام 2021 ، ومؤخرا لامست هذه النسبة حدود 28.9%”، لافتاً الى ان “نسب الطلاق هي الأعلى في محافظتي بيروت والجنوب”.
وفي هذا المجال، قال الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين لـ “الديار” ان “ارقام دعاوى الطلاق في العام 2018 وصلت الى 7995، و7646 في العام 2019، و6793 في العام 2020، 7751 في العام 2021، 7987 في العام 2022 في حين ان نسبة الطلاق قد ارتفعت الى 8541 حالة مسجلة قانونيا في العام 2023”.
تنفيذ إجراءات الطلاق الى ارتفاع!
من جانبه، كشف مرجع ديني في احدى المحاكم الشرعية السنية لـ “الديار” عن “ان الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، لعبت دورا في زيادة معدلات الانفصال بنسبة تتراوح بين الـ 26 و30% ، وذلك بسبب العراقيل المالية التي ادت الى تعاظم الأعباء النقدية على الأزواج، حيث اشتدت حدّة الخلافات الزوجية وتصدّعت العلاقات العائلية، وزاد الطلاق الذي هو أبغض الحلال عند الله”.
وتابع “لقد فاقمت الاضطرابات الأمنية والاقتصادية من تراكم المشقات على الأسر بشكل عام، فتضخمت المُفارقات نتيجة للتوترات الناجمة عن الشظف. كما ان هناك عاملا مهماً يتجنب البعض ذكره خوفا من الانتقادات لاحقا، وأعني هنا النزوح السوري الذي بدّل بشكل جذري الحياة الاجتماعية في لبنان، اذ ان تركيبة المجتمعين مختلفة كليا. وفي الآونة الأخيرة، شهدنا ثورة او هجمة على الطلاق، فالتنوع الأجنبي المتواجد على أراضينا خلق مشكلات عائلية وزوجية لم نشهد لها مثيلا من قبل”. مشيرا الى “التغيرات في القيم والثقافة ما بين الشعبين، الى جانب التنابذ الذي قضم العلاقات وعلى نسبة الهجر. لكن من المؤكد ان هناك دوافع شخصية وعلاقية أخرى تساهم في وقوعه”.
ما بين “الصامت” و “الرسمي” شعرة!
من جانبها، قالت الباحثة في علم الاجتماع الدكتورة يمنى ياسين لـ “الديار”: “من الصعب تحديد أيهما أكثر تأثيرا في الاواصر الاسرية، لكن يعتمد الانفصال بغض النظر عن نوعه على عدة مبررات، بما في ذلك الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للأفراد والمجتمع. وتؤثر حالات الطلاق الرسمية غالبا في العائلة والمجتمع بشكل أكبر من تلك الصامتة، حيث تكون العواقب القانونية والاجتماعية أكثر جلاء. من ناحية أخرى، قد يفتك الطلاق “العاطفي” بشكل اقل بالروابط الاجتماعية والنفسية للأطفال والعشيرة، لكنه حتما يولّد توترات داخلية في السلالة قد لا تظهر بوضوح على المدى القريب”.
وأضافت “على الرغم من ذلك، فان الطلاق بكل أشكاله يمكن أن يكون تجربة صعبة للطرفين المعنيين وأفراد العائلة، وتحديد الأضرار الناتجة منه يتطلب دراسة شاملة للذرائع المحيطة بكل حالة على حدة”. وأشارت الى “أن بعض الأزواج يفضلون عدم الافصاح عن تفاصيل حياتهما الشخصية ومشاكلهما الزوجية ، لذلك تختار فئة درب الطلاق الصامت لتتجنّب الاعتراضات من قبل المقربين والأصدقاء. وفي معظم الأحيان، يؤدي هذا النوع من الافتراق إلى تبسيط العملية وتقليل الجدل القانوني أو الشخصي”.
تشتت وضياع!
من جهتها، اوضحت الاختصاصية النفسية والاجتماعية غنوة يونس لـ “الديار” ان “تأثيرات الطلاق الصامت في الأطفال والمجتمع متنوعة، وقد تشمل:
1- تخريب الحياة: قد يشعر الأطفال بالارتباك أو الخيبة، إذا كانوا غير قادرين على فهم سبب انفصال الوالدين بشكل كامل، فتفسد العلاقة بين الاهل والابناء.
2- المجتمع: قد ينجم عن الهجر الجسدي تحولات في التفاعلات الاجتماعية بين الأزواج والعائلات والأصدقاء، فتتنامى الشكوك والتكهنات بشأن أسباب الافتراق، مما يؤثر سلبا في الأطفال والمجتمع والعشيرة.
وشددت في الختام “على ضرورة طلب المساعدة من اختصاصيين اجتماعيين، وعدم مراكمة المشكلات، وحثّت على تعلّم مهارات المرونة العائلية والتواصل الإيجابي والصبر والتحمل، لتفادي بتر صلة الرحم وابطال ميثاق النكاح وتفادي تدمير حياة الاسرة والأطفال”، معتبرة ان “الليونة هي اهم عامل لنجاح العلاقات الاسرية”.