انقضت سنتان من عمر ولاية مجلس النواب لم يحقق فيهما الكثير بل أثبت اخفاقه الاكبر في عدم تمكنه من انتخاب رئيس للجمهورية. اكتمل النصاب امس و”حبّة مسك” في جلسة النازحين من دون الاستعانة بـ”المجموعة الخماسية”، ولم تكن الجلسة في حاجة الى هذا العدد لمناقشة ملف النازحين والخروج بتوصية لم تنضمن بنودها اكثر من مستوى التوقعات.
ولم يتناول المجلس هذا الموضوع الذي بات يهدد وجود لبنان ويخرق سيادته كل يوم وينعكس سلبا على استمرارية بقاء دولة ومؤسسات تعمل لولا دماء باسكال سليمان وياسر كوكاش وحالات تعبئة البلديات في اكثر من منطقة. ورغم ضجيج الكلمات على ألسنة رؤساء الكتل الحزبية ونواب مستقلين وتغييريين وهم في الاصل ليسوا على قلب واحد، الا ان الغلبة في ساحة النجمة تتمثل في تلاقي الكتل الكبرى حيث يكون قرار الحسم لها. وهذا ما تجسد على ارض الواقع. وساهم تحضير مسودة التوصية الختامية في تعجيل التوافق عليها رغم اعتراضات نواب من التغييريين.
ولم تكن اجواء بداية الجلسة تؤشر الى حصول سجالات او مناكفات بين الافرقاء الذين يختلفون في الكثير من المرات على جملة من الطروحات اذا لم تكن الطريق معبدة امامهم، لكن الرئيس نبيه بري وبحركة مكوكية من معاونه السياسي النائب علي حسن خليل مع الكتل والنواب عجّل في ولادة هذه التوصيات.
ولم تبرز الخلافات المعروفة بين نواب تكتل “لبنان القوي” والرئيس نجيب ميقاتي الذي لم تعترضه حواجز او مداخلات ساخنة سوى رشقات سريعة جرى التصدي لها واستيعابها. وقدم النائبان جبران باسيل وجورج عدوان باسم تكتليهما جملة من الافكار المدروسة بعناية، ولا سيما بعد النفير المسيحي العام في التحذير من الوجود السوري غير الشرعي في بيئات مسيحية غادرتها أعداد لا بأس بها من النازحين حطّوا رحالهم في بلدات عكار، وآخرون في البقاع والطريق الجديدة والضاحية الجنوبية. لكن بعيدا من سمفونية اتهام اللبنانيين بـ “العنصرية الجاهزة” سيستمر النازحون يشاركونهم الهواء والماء والكهرباء ورغيف الخبز وخدمات البنى الصحية وادارات الدولة غير قادرة في الاصل على استيعاب حاجات أهل البيت. ونجح ميقاتي في امتصاص غضب اكثر من جهة عندما شرح ان هبة الاتحاد الاوروبي ليست مشروطة، وظهر على تناغم مع العونيين و”القوات اللبنانية” في اكثر من اشارة، ولو تمايز النائب سامي الجميل بموقف حزب الكتائب عن الآخرين وتحميله الجهات الممثلة في الحكومة مسؤولية ما وصلت اليه امور التعاطي مع النازحين السوريين. ولم تلقَ مداخلته ترحيباً لدى الحزب التقدمي الاشتراكي.
وبعد توصل البرلمان الى خلاصة هذه التوصيات لا يبدو انها ستشق طريقها الى التنفيذ بسهولة حتى لو استنفرت اكثر البلديات والاجهزة الامنية، ولا سيما بعد تقديم اكثر من جهة جملة من الطروحات لترحيل النازحين غير الشرعيين ولم يجرِ الحديث عن الآلية المثلى لانجازهذه المهمة. وستبقى كل هذه الاقوال حبيسة محاضر مجلس النواب من دون ان تتحول الى أفعال في وقت يمارس المجتمع الدولي سياسة اللامبالاة حيال لبنان رغم تحذير اهله من الغرق في بحر النازحين السوريين.
صحيح ان ثمة جملة من الخلافات والتقصير المتمادي على مستوى الداخل في معالجة هذا الملف المفتوح على مصراعيه منذ عام 2011 مع استمرار عصابات تهريب البشر على الحدود والتي لا تتم من دون اصابع لبنانية ومستفيدين ينشطون في هذا الحقل. لكن النواب لم يقصّروا في تبيان آثار اعباء الوجود السوري على البلد وعدم التزام مفوضية اللاجئين بالتعليمات التي تتلقاها من المعنيين في الحكومة ومديرية الامن العام في مشهدية ممنوع اتباعها في الاردن بسبب وجود سلطة واحدة تعرف كيف تتعاطى مع هذا الملف رغم كل ضغوطه على المملكة التي تعاني بدورها من أزمات اقتصادية.
ويعرف نواب كثيرون حجم حضور المنظمات الدولية وجمعيات المجتمع المدني التي تسرح وتمرح على طول الخريطة اللبنانية من دون اي رقيب ولا تسمح لاي جهة بتوجيه سؤال عن تمويلها وتعاطيها مع هذا الكمّ من مخيمات النزوح. وتقول مصادر حكومية إن نحو 4 مليارات دولار وصلت الى جيوب المشرفين على هذه الجمعيات منذ تفجير مرفأ بيروت الى اليوم. ولا توجد اي سلطة لبنانية ولو وصلت الى ارفع المناصب في القضاء تتجرأ وتسألها عن كيفية انفاق الاموال التي تتلقاها. وصدرت طروحات وافكار عدة عن كيفية عودة السوريين، يدرك اصحابها ان عواصم القرار في العالم الى الامم المتحدة والدول الاوروبية لا تريد عودتهم الى ديارهم لاسباب سياسية وتصفية حسابات مع الرئيس السوري بشار الاسد.
صدرت توصية البرلمان امس وهي لا تختلف في مضامينها عما توصلت اليه لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين في 18 تموز 2023، ومن بين بنودها التواصل مع سوريا مع تشديد البرلمان امس على التزام الحكومة بتقديم تقرير للمجلس كل ثلاثة اشهر.
في الايام التسعين المقبلة سيلمس الجميع ان لا شيء تغير مع ترجيح زيادة أعداد النازحين جراء كثرة الولادات وعدم وقف التهريب. ومن ابداعات نواب دعواتهم الى ترحيل السوريين الى بلد ثالث. فأي دولة تقبل استقبال مليوني نازح حتى لو كانت في مساحة الاتحاد السوفياتي السابق؟ حكومة غير قادرة على اجتراح المعجزات، وبرلمان مفكك غير قادر على فعل اكثر من حدود جلسة امس، والنتيجة ان النازحين باقون في ربوعنا الى أجل غير مسمى.
“النهار”- رضوان عقيل