أطلقت شركة الإتصالات MIC2 «تاتش» عبر منصة هيئة الشراء العام في 14 أيار الجاري، مزايدة جديدة لتلزيم خدمة توزيع الرسائل الدولية القصيرة SMS الواردة من التطبيقات، أو ما يعرف بالـA2P، وحدّدت موعد فضّ عروضه في 11 حزيران المقبل، بناء لدفتر شروط نشر أيضاً عبر منصة الهيئة، وحدد سعر افتتاح المزايدة بـ46 مليون رسالة مضروبة بـ10.5 سنتات من اليورو كحد أدنى.
أطلقت المزايدة على مشارف انقضاء شهر رابع على صدور تقرير ديوان المحاسبة الذي أوصى بذلك، إلى جانب توصيته بفسخ عقد «تاتش» مع INMOBILES، بما شكّل تناغماً مع توصية هيئة الشراء العام التي سبقتها في شهر أيلول من العام 2023.
بنيت هذه التوصيات حينها على دراسات وتحقيقات أجرتها الغرفة الثانية في ديوان المحاسبة برئاسة القاضي عبد الرضى ناصر وعضوية المستشارين محمد الحاج وجوزف كسرواني، وأوردت تفاصيلها في تقرير بيّن «إمعاناً في غياب الرؤية في الصفقة المعقودة، وضرباً لقواعد الشراء العام، وتخبطاً يثير الشبهات حول السعي لتلزيم الخدمة لشركة INMOBILES مهما كان الثمن».
عزّز استنتاجات الغرفة الناظرة بهذا الملف، تغاضي الإدارة عن مخالفات عديدة للشروط التي حدّدتها الإدارة للشركات المؤهلة في إطلاق عملية التلزيم. وأبرزها ما يتعلق بشروط قاتلة، كمثل سنوات الخبرة في مجال رسائل الـSMS الدولية المرسلة عبر التطبيقات. هذا في وقت اشتمّت مصادر خبيرة رائحة التفاف على هذا الشرط من خلال إعادة إطلاق عملية تلزيم الخدمة. فدفتر الشروط السابق حدّد سنوات هذه الخبرة التي تؤهل الشركة للمشاركة بالمزايدة بخمسة أعوام. ومع أنّ INMOBILES خالفت هذا الشرط غير القابل للمساومة، لم يكن ذلك دافعاً لرفض عرضها من قبل الإدارة المعنية. وهذا ما جعل ديوان المحاسبة يطرح السؤال في تقريره «عن كيفية نجاح INMOBILES بالمزايدة مع أنها لا تستوفي هذا الشرط». شكّك الديوان أيضاً بالخلفيات التي جعلت لجنة تحقيق، حرّكتها اعتراضات شركات عارضة، توصي بتعديل سنوات الخبرة كي تصبح ثلاثاً بدلاً من خمس، ورأى في مثل هذا التعديل «محاولة لتبسيط الشروط المفروضة بشكل يتلاءم وخبرات INMOBILES للتأكد من إنجاح هذه الأخيرة بسهولة في حال الإضطرار إلى إعادة المزايدة».
لم تجد «تاتش» في هذه الملاحظات لديوان المحاسبة رادعاً يمنعها من التلاعب بالشروط القاتلة المحدّدة من قبلها في دفتر الشروط السابق. وبدلاً من أن تتمسّك بشروطها السابقة التي لا تشوبها ملاحظات جوهرية، كما تؤكد مصادر خبيرة، عمدت فعلاً في دفتر شروطها المنشور لإعادة إطلاق الإلتزام بتقليص سنوات الخبرة إلى ثلاثة أعوام، في نمط يرسّخ نهجاً متكرراً من محاولات تفصيل دفاتر الشروط على قياس المؤهلات المتوفرة في الشركات المطلوب نجاحها بالصفقات.
هذا في وقت كان ديوان المحاسبة قد حذّر بتقريره الأخير من أن «تغيير مندرجات دفاتر الشروط مراراً وتكراراً من دون مسوّغ شرعي، يضرب سمعة ومصداقية لبنان، ويزعزع ثقة العارضين المحتملين، ولا سيّما الشركات الأجنبية، بشفافية آلية الشراء العام فيه، وهو أمر لا يجوز التفريط به إطلاقاً مهما كانت الظروف والأسباب».
يذكر أخيراً أنّ تحرك ديوان المحاسبة وهيئة الشراء العام في ملف صفقة الـA2P جاء بالاستناد إلى سؤال نيابي وجّهه النائب ياسين ياسين، وحوّله إلى إخبار لدى ديوان المحاسبة، بالإضافة إلى إخبار شفهي قدّمه رئيس لجنة الإتصالات إبراهيم الموسوي. غير أنّ الديوان لم يتوقف عند إصدار تقريره، وتضمينه التوصيات، إنما نحا باتجاه التأكد من تطبيق هذه التوصيات. فتوجّه في شهر نيسان الماضي، بمذكرة لشركة «تاتش» تطلب من رئيس مجلس إدارتها إفادته «عما إذا كانت الشركة قد التزمت بالتوصيات الواردة في تقريرها، وبالتالي وضعت دفتر شروط تُراعى فيه قواعد الشفافية والوضوح والموضوعية، وأطلقت عملية التلزيم».
وقد شكلت هذه المذكّرة سابقة في إرساء نهج جديد يتحمل من خلالها الديوان مسؤولية الحفاظ على المال العام، وممارسة عمله الرقابي في وقف الصفقات المخالفة للقانون، ليتوسع بهذه المسؤوليات إلى أبعد من إصدار التقارير وتظهير المخالفات وطلب العقوبات، نحو التأكد من تطبيق هذه التوصيات والإلتزامات، والتحذير من عواقب التخلف عنها. وهذا ما اعتبرته مصادر متابعة «نهجاً جديداً، يمكن في حال تعميمه، إخضاع المنظومة المتحكمة بمفاصل القطاعات المنتجة، للأنظمة والقوانين وقرارات الهيئات الرقابية، وبالتالي منعها أو أقله الحدّ من تلاعبها بالمال العام».