نالت الأزمة الاقتصادية التي تنهشنا منذ الـ2019 من مختلف جوانب حياتنا، حتى كان لها الأثر الاكبر على الديموغرافيا اللبنانية إذ نتج عنها بشكل أساس تراجعٌ كبير وملحوظ بنسبة الولادات. فكيف أصبحت الارقام اليوم؟
كأحجار الدومينو تناطحت الازمات في لبنان نتيجة الانهيار المالي، فالأزمة الاقتصادية أدت إلى هجرة أعداد هائلة من اللبنانيين كما أنها أوقفت لفترة طويلة القروض السكنية الامر الذي وضع عائقا أساسيا في وجه الحالمين في دخول القفص الذهبي، ما نتج تراجعا في نسبة عقود الزواج. فبحسب الارقام التي زوّدنا إياها الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، في العام 2017 أي قبل بدء الازمة تمّ تسجيل 31837 عقد زواج، أما في العام 2023 فسُجّل 30553 عقد زواج.
وبطبيعة الحال، أدى تراجع الإقدام على خطوة الزواج إلى تراجع في نسبة الولادات خلال السنوات الماضية، ويقول شمس الدين في حديث لموقع mtv: في العام 2023 سجلت نسبة الولادات 66866 بعدما كانت في العام 2017 زهاء 89851، أي أن التراجعَ بلغ 25 في المئة.
التراجع هذا يعود إلى عوامل اقتصادية كما أيضا إلى العامل الامني غير المستقرّ والخوف ممّا قد يحصل مستقبلا، إلا أنه في مقابل هذا التراجع، هناك أرقام تأخذ مسارا معاكسا، ونتحدث هنا عن نسب الولادات بين السوريين، والتي تسجّل 3 أضعاف عن الولادات بين اللبنانيين، ما يدفع إلى دقّ ناقوس الخطر للسيناريو الذي سيكون بانتظارنا في المستقبل القريب إن استمرت الحال على ما هي عليه، لأن الديموغرافيا ستتحوّل رأسا على عقب.
ما يحصل في لبنان ليس بعيدا جدا عما يحصل عالميا، فالعالم أجمع يواجه أزمة خصوبة وتراجعا في المواليد. فقد كشفت أخيرا صحيفة “وول ستريت جورنال” أن العالم يمرّ بمرحلة ديمغرافية غير اعتيادية فهو يعاني من تراجع بإنجاب الاطفال لدرجة مخيفة قد تتحول إلى خطر داهم في المستقبل بإمكانه أن يهدد البشرية، “وقريبا سينخفض معدل الخصوبة العالمي إلى ما دون النقطة اللازمة لاستبدال الوفيات بمواليد جدد”، وفق ما ورد في الصحيفة.
هذا الانحدار بالأرقام لا يعود فقط إلى تراجع مستوى الدخل لانه يلاحق أيضا بعض الدول التي تمتاز بكثافتها السكانية المرتفعة، كمصر مثلا، التي سجّلت العام الماضي تراجعا بنسبة المواليد بلغ 17 في المئة. كل ذلك، دفع بعددٍ من الدول مثل الصين واليابان وسنغافورة إلى تقديم حوافز مالية لتشجيع الافراد على إنجاب الاطفال غير أنها وحتى الآن لا تبدو ذات منفعة كبيرة.
هذا الامر لا يمكن أن ينطبق بالطبع على لبنان، فحالنا مختلفة، وإنجاب الاطفال تحوّل إلى عبء اقتصادي كبير في خضمّ الصعاب التي تواجه الافراد، إن كان من الناحية التعليمية او الاستشفائية او الحياتية… لن يشجّعنا أحد على الإنجاب هنا ولن يغرونا بشيء، فالحياة عندنا باتت تحتاج إلى نفسٍ طويل للصمود، والإنجاب “بدو قلب قوي”!
سينتيا سركيس – موقع mtv