منى الحسن – اساس ميديا
لا فرق جوهريّاً بين بيان السفارة الفرنسية الصادر باللغة الفرنسية أمس الأول الجمعة أو البيان الصادر باللغتين العربية والانجليزية يوم الخميس الفائت عن السفارة الأميركية التي استضافت الاجتماع الأخير للّجنة الخماسية. المضمون واحد في البيان بلغاته الثلاث بوصف المشهد الرئاسي والتنبيه إلى مخاطر استمرار الفراغ ودعم جهود تكتل الاعتدال النيابي حيال الملف الرئاسي.
تواريخ ومُهل للمرّة الأولى
تضمّن بيان الخماسية أو بيان عوكر عن اجتماع الخماسية دفعاً إيجابياً نحو الأمام، فتحدّث للمرّة الأولى عن تواريخ ومهل مُظهراً إرادة الإدارة الأميركية تحقيق إنجاز على الحدود قبل آخر حزيران. ولم تستبعد مصادر دبلوماسية أن تحمل نهاية أيار مرحلة جديدة في تحرّك الخماسية. بدا واضحاً أنّ البيان غمز من قناة الثنائي دون تسميته. إذ وجّه رسائله إلى الثنائي الشيعي فدعا إلى “مشاورات محدودة النطاق والمدّة بين الكتل السياسية ضرورية لإنهاء الجمود السياسي الحالي”، لافتاً إلى أنّ “هذه المشاورات يجب أن تهدف فقط إلى تحديد مرشّح متّفق عليه على نطاق واسع، أو قائمة قصيرة من المرشّحين للرئاسة، وفور اختتام هذه المشاورات، يذهب النواب إلى جلسة انتخابية مفتوحة في البرلمان مع جولات متعدّدة حتى انتخاب رئيس جديد”. أي أنّه طلب من بري الدعوة إلى مشاورات ثمّ الدعوة إلى جلسة انتخاب مفتوحة إلى أن يتمّ انتخاب الرئيس، ثمّ تحدّث عن رئيس يتوافق عليه الجميع ليخرج مرشّح الثنائي من لائحة المرشّحين المقبولين. وبمعنى آخر حثّ بري على الدعوة إلى جلسات انتخاب متكرّرة حتى انتخاب رئيس، وأقفل الباب أمام مرشّح الحزب مرجّحاً كفّة مرشّح توافقٍ يحظى بدعم واسع. فما الذي طرأ كي تدعو سفارة الولايات المتحدة إلى انتخاب رئيس في غضون أيام وهي التي كانت سلّمت بأنّ الانتخاب غير ممكن ما لم تنته حرب غزة؟
كانت الولايات المتحدة تقول إنّه لا مجال لانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان على وقع الحرب الدائرة في غزة وجبهة الجنوب المشتعلة. وعلى الرغم من ذلك أرادت أن تَظهر الآمر الناهي في الاستحقاق وتتطلّع إلى انتخاب رئيس في الفترة الواقعة بين الإعلان عن هدنة وموعد انتخابات الرئاسة في أميركا. تراهن على تحقيق أمر كهذا ويسعى إليه موفدها آموس هوكستين، ومن باب الضغط المعنوي حدّدت أيار موعداً للانتخاب، وهو تاريخ يستحيل انتخاب رئيس خلاله، ومن يصدّق أنّ الفراغ المستمرّ منذ ما يزيد على عام ونصف يمكن أن ينتهي بانتخاب رئيس في غضون عشرة أيام باقية من المهلة التي حدّدتها عوكر؟!
الحزب غير مهتمّ
لا يولي الحزب اهتماماً بمضمون بيان السفارة عن اجتماعات اللجنة الخماسية. كلّ حراك رئاسي لا يتوجّه اليه مباشرة لا يعتبر نفسه معنيّاً به. يرى أنّ ما ورد في بيان السفارة دعوة غير منطقية ولا تلامس الواقع. منذ بداية المفاوضات لمس وجود اختلاف بين التوجّهين الفرنسي والأميركي حيال الرئاسة في لبنان. ففي حين تربط أميركا الاستحقاق بتاريخ التوصّل إلى هدنة على اعتبار أنّ انتخاب الرئيس غير ممكن ما لم تتوقّف الحرب على غزة وتتبعها جبهة الإسناد في الجنوب، تسعى فرنسا إلى تحقيق إنجاز من خارج منطق الربط بين الجبهتين، وتقول إنّ بإمكانها فصل جبهة الجنوب عن غزة ثمّ انتخاب رئيس. سعت فرنسا وفشلت ورقتها وتعاطى معها الحزب كأنّها لم تكن. سلّمت أميركا بربط الجنوب بغزة بينما لا تزال فرنسا تؤمن بإمكانية الفصل.
يلمس الحزب استعداد أميركا عبر موفدها آموس هوكستين لتسوية شاملة قوامها الاتفاق على الترسيم البرّي والانسحاب الإسرائيلي من النقاط المختلَف عليها على الحدود بما فيها نقطة B1 وإجراء ترتيبات أمنيّة في الجنوب والاتفاق على ضمانات من الجانبين الإسرائيلي و اللبناني. وهذا كلّه يلزمه وجود رئيس للجمهورية يواكب تلك المفاوضات ويوقّع عليها ويكون وجوده ضماناً للاستقرار والأمن المطلوبين. ولذا تستعجل واشنطن انتخاب رئيس قبل انتخاباتها الرئاسية. وعلى هذا الأساس سيعود هوكستين بعد الهدنة. ينتظر الحزب الهدنة. فهو أيضاً يريد لحرب غزة أن تتوقّف ليتمّ الذهاب إلى تسوية يتعاطى معها بمرونة.
إلى أن يحين أوان تلك التسوية، يتعاطى الحزب مع اجتماعات الخماسية، كما مع بياناتها ومع أيّ نشاط رئاسي، سواء كان محلّياً أو متّصلاً بزيارات بعض المسؤولين لقطر، على أنّها جزء من البروباغاندا والعمل الإعلامي الذي لا يمكن “تقريشه” على أرض الواقع. من ناحية الثنائي لا تزال القواعد التي أدّت إلى الخلاف حول انتخاب الرئيس قائمة. فما تمّ التوافق مع الحلفاء ولا التقارب مع الخصوم. فلم يستطع الحزب أن يقنع حليفه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بمرشّحه، وليس مستعدّاً للتلاقي مع مرشّح المعارضة، ولذلك لا رئيس ولا انتخاب قريباً. وموازين القوى تحت قبّة البرلمان لا تزال على حالها، فلا قوى الثامن من آذار ستنجح في إيصال مرشّحها ولا المعارضة. أمّا الحديث عن حوار ثمّ دعوة إلى جلسات مفتوحة فغير قابل للتنفيذ بالنسبة إلى رئيس المجلس. يعترف الحزب: “نحن عاجزون عن انتخاب الرئيس، وخصومنا أيضاً، ولا يمكن لنا أن نقنعهم ولا أن يقنعونا”. والحلّ بالحوار والتوافق متى نضجت الظروف المحكومة بالحرب على غزة وظروف الهدنة.
بالمقابل هناك معلومات متداولة نقلاً عن اللجنة الخماسية أن المبعوث الفرنسي سيقوم بزيارة لبنان خلال الأسبوعين المقبلين وسيعلن من بيروت مواصفات الرئيس المقبل. الأهم أنه سيؤكّد العودة إلى إعلان الدوحة الذي ينصّ على تبعات تتحملها الجهات المعطّلة للإنتخاب.
التبعات هي تعبير ملطّف للعقوبات لكن ماذا حقّقت العقوبات السابقة سياسياً؟ لا شيء. وبالتالي لن تختلف نتائج العقوبات الجديدة “إذا حصلت” عن نتائج ما سبقها..