استقطب التطور الإيراني المتمثّل بسقوط المروحية التي كانت تقلّ الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي جزءا من الاهتمام المحلي بالنظر إلى ارتباط لبنان بمعظم الأزمات في المنطقة، كما تأثره بأي أحداث محتملة أو مأمولة.
وطرح هذا التطوّر الإيراني جملة من التساؤلات عن طبيعة الحادثة وخلفياتها، مع التدقيق في احتمال وجود دور إسرائيلي في إسقاط المروحية الرئاسية بالنظر الى ما لتل أبيب من حضور عسكري واستخباري في أذربيجيان التي كان رئيسي عائدا من زيارة رسمية لها.
ولا تخفى البرودة بين البلدين الجارين، والتي زادها أخيرا استخدام إسرائيل أراضي أذربيجان في ضربتها العسكرية الأخيرة ردا على الهجوم الإيراني.
لذا تبقى الفرضيات مفتوحة، بما فيها فرضية تدخّل إسرائيلي في سياق الحرب الاستخبارية بين البلدين والتي اشتملت على تصفيات بالجملة لقادة وعلماء إيرانيين تصنّفهم تل أبيب في خانة مُهدّدي أمنها القومي.
كما طرحت الحادثة تساؤلات عن مصير التفاهمات الأميركية- الإيرانية والتي كان لوزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان اليد الطولى فيها، إلى جانب مشاركته في اتفاق بيكين للتقارب بين إيران والمملكة العربية السعودية.
ولا يخفى أن لعبد اللهيان حضورا مؤثرا في لبنان، الأمر الذي جعل المسؤولين في بيروت يتابعون عن كثب الأخبار الواردة من إيران، في مسعى لوضع تصوّر لأي تطورات محتملة.
ووُضعت في بيروت سيناريوات تحاكي طبيعة الحادثة الإيرانية:
١-نسخة ثانية من اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق رابين (٤ تشرين الثاني ١٩٩٥) الذي قُتل من أجل منع التقدّم الذي كان حاصلا على المسار السلمي.
٢-نسخة من اغتيال الأشدوق النمساوي فرانتز فردينان (٢٨ حزيران ١٩١٤) والذي كان الذريعة المباشرة لبدء الحرب العالمية الأولى.
٣-نسخة من حوادث الطيران التي تحصل سنويا بفعل سوء الأحوال الجوية أو الأعطال التقنية، علما أن العقوبات الغربية على إيران جعلت مجمل اسطولها الجوي المدني في وضع متهالك.
وللسيناروين الأولين، في حال صحّ أحدهما، محاذير وتداعيات لا تحصر. فالأول ينطوي على نوع من أنواع التصفيات ضمن الثورات، وهو مسار إيراني معروف منذ أن قيل إن الثورة تأكل أبناءها، فيما الثاني مؤداه استجرار تشدد داخلي بهدف تخريب التفاهمات الإيرانية الخارجية، ولا سيما مع السعودية والولايات المتحدة، ولإسرائيل في ذلك مصلحة كبرى.