“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
لم يكن خبر فرار موقوف محظي “فئة أ” من سجن ساعة العبد التابع للمديرية العامة للأمن العام، من خارج سياق تعامل بعض الأجهزة مع موقوفين درجة أولى، والتي ذهبت منذ ما قبل مرحلة الإنهيار وتآكل رواتب الموظفين إلى بناء إمبراطوريات خدمات مدفوعة الأجر، تولى ضباط كبار تأسيسها على شكل “شبكات” انتشرت في الجسم الأمني، بهدف منح موقوفين معينين إمتيازات جعلت منهم نزلاء VIP في سجون أنشئت خصيصاً لأجل هذه الأغراض، سهروا على حسن سيرها بما في ذلك تغطية عملها، وبقيت شبه سرية أو في منأى عن متابعة العامة. وقد أخذ هؤلاء النزلاء يحظون بخدمات فندقية فارهة، كتأمين أجود أنواع الطعام والشراب، وخدمات الغرف والسهر يشملها التزوّد بخدمة الإنترنت، بما في ذلك المشاركة بأنشطة خارج السجن وتأمين النساء بحسب رغبات النزيل.
تكشف معلومات “ليبانون ديبايت”، أن الموقوف السوري فايز العبد أوقف في شهر تموز من العام الماضي في مطار بيروت الدولي قادماً من تركيا، بعد ورود إسمه في محاضر اعترافات قدّمها تاجر مخدرات سوري الجنسية أوقف على خلفية محاولة تهريب مواد مخدّرة إلى تركيا في عام 2017 بعد نجاح شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي من ضبطتها، ما لبث أن أخلي سبيله بعد حوالي 6 أشهر على الحادثة. وأكد المصدر، أن الموقوف العبد فرّ من سجنه مساء الجمعة في 10 أيار 2024 إلى سوريا، ومنها نحو الأراضي التركية، ولم تُكتشف عملية الفرار إلاّ بعد أيام من حدوثها، فيما تحدثت معلومات أخرى عن احتمال مغادرته باتجاه تركيا عبر مطار بيروت الدولي بجواز سفر مزوّر!
مصدر قضائي أكد لـ”ليبانون ديبايت”، أن التحقيقات بيّنت تمتع الموقوف الفار بإقامة فندقية من الطراز الأول طوال فترة احتجازه في سجن المديرية العامة للأمن العام في “ساعة العبد” لقاء مبالغ مالية كان يسدّدها بشكل منتظم طيلة فترة إقامته. وعلى ما يبدو، نجح في إقامة علاقات صداقة وطيدة جمعته بسجانيه، وأسخى عليهم في تقديم “الهدايا” العينية والمادية. وقد نشأت بين الطرفين “ثقة متبادلة”.
ويجري الحديث عن أن حادثة الفرار جاءت نتيجة تمكّن الموقوف من وضع “مواد منوّمة” في شراب كان يحتسيه مع ضابط برتبة ملازم أول من حامية المبنى، وقد تمكّن من سلب الضابط مفتاح سيارة عسكرية، إستقلها الموقوف وغادر المبنى المحتجز فيه والذي يحظى عادة بحماية أمنية هشّة. ومع اكتشاف حالة الفرار، حاول الضباط المسؤولون في السجن تغطية الحادثة عبر إخفاء معالمها ومحاولة التواصل مع الفار من دون جدوى. ومع اكتشاف ما جرى، أعطى المدير العام للأمن العام اللواء الياس البيسري أمراً بتوقيف كل من الملازم أول س.روفل، وآمر السجن العقيد أ.الأسعد، وعسكري ثالث على ذمّة التحقيق، وأحالهم إلى “المجلس التأديبي” مع اقتراح بطردهم من السلك، علماً أن الأسعد كان مسؤولاً في الفريق الأمني التابع للمدير العام السابق اللواء عباس ابراهيم ومقرّباً منه.
عملياً أدّى التوسّع في التحقيقات إلى التوصّل لخيوط على صلة بالقضية. فاكتُشف على سبيل المثال، أن الموقوف السوري خضع بداية لتحقيق تمهيدي واستنطاقي لدى فرع التحقيق التابع للمديرية العامة للأمن العام على خلفية شحنة المخدرات المصادرة عام 2017، ومن ثم أودع السجن قبل أن يتم تحويله إلى سجن ساعة العبد.
وما لبث أن توقف المسار القضائي بطريقة ملتبسة، ليحل بدلاً منه مسار قانوني إفتتحه محامون من بينهم سيدة مقرّبة من مسؤول أمني سابق، زارته في سجنه عارضةً التوكّل عنه وتنشيط ملفه القضائي، وتضمّن “العرض” تأمين خدمات إستثنائية طيلة فترة احتجازه لقاء مبلغ مالي إعتبره “ضخماً”، ما أدى إلى عدم حصول اتفاق بينهما.
لكن المحاولات لم تنقطع. فبعد فترة وجيزة، حضر شخص لبناني وطلب موعداً من الموقوف، وأبلغه أنه قادر على “توفير محامٍ شاطر” في استطاعته إخراجه من السجن لقاء مبلغ مالي بدا للموقوف أقل من ذلك الذي عرضته السيدة، فوافق، من دون أن يسفر ذلك عن حصول أي تطوّر قانوني إيجابي. وعلى الأرجح، أدّى المسار المذكور بالموقوف للإستعاضة عنه بآخر، وبمساعدة من آخرين نجحوا بتهريبه لقاء مبلغ قدر بـ 250 ألف دولار أميركي.