قبل عامين من انتهاء الامتياز الحصري الممنوح لشركة كازينو لبنان بتنظيم ألعاب الميسر وتشغيلها، شغّلت الأخيرة محرّكاتها لتجديد رخصتها، بما يتجاوز المسار القانوني الذي يقتضي تنظيم مزايدة علنية يفوز بنتيجتها من يقدّم العرض الأفضل لمصلحة الدولة
علمت «الأخبار» أن إدارة شركة كازينو لبنان بدأت مساعيها إلى تجديد الامتياز الحصري الممنوح لها بتنظيم ألعاب الميسر وتشغيلها (تنتهي عام 2026)، وأن الأمر موضع تشاور بين رئيس مجلس إدارة الكازينو رولان خوري ووزيري المالية والسياحة يوسف الخليل ووليد نصّار، وسط ملاحظات حول نهج إدارة الكازينو، بمجالسها المتعاقبة، التي أوصلته إلى ما هو عليه اليوم مرفقاً متهالكاً لا يشبه، لا شكلاً ولا مضموناً، ما يُفترض أن يكون عليه كموقعٍ سياحي يهدف إلى جذب اللاعبين الكبار.ومُنحت شركة كازينو لبنان الامتياز الحصري في المرة الأولى عام 1954، لمدة 25 عاماً، بعد مزايدة علنية، مقابل بناء الكازينو وشروط ضرائبية صعبة. وفي عام 1995، جُدّدت الرخصة لـ 30 عاماً مقابل شروط ضرائبية، إلى جانب ترميم المباني وبناء فندق (لم يبنَ)، على أن تنتقل ملكية الأبنية والعقارات إلى الدولة بشكلٍ تدريجي، مع انتهاء السنوات الثلاثين، أي عام 2026.
مساعي مجلس الإدارة تهدف إلى تجديد الرخصة من دون المرور بمزايدة، مقابل تنفيذ مجموعة استثمارات، من بينها «إنشاء صالات إضافية لألعاب البوكر والبينغو والمراهنات الرياضية، ومسرح خارجي يتّسع لـ 12 شخصاً، وصالة للأعراس، إضافة إلى تشييد فندق» وفقاً لخوري، لافتاً إلى أنّ «الشروع في هذه الاستثمارات لن يكون له معنى إذا لم تمدّد الدولة رخصة الشركة لحوالى 15 عاماً، تتمكن خلالها من استرداد كلفة الاستثمارات وتحقيق أرباح». ويبدو خوري مطمئناً لأجواء زياراته للمعنيين، مشيراً إلى أنّ «العلاقة بين الشركة والدولة في السنوات الـ53 الماضية كانت جيدة، ولم تشبها توترات». وأشار إلى أنّ الكازينو «لم يحقق أرباحاً مالية» عام 2023، إذ بلغت إيراداته من الألعاب الأرضية 90 مليون دولار، نصفها ذهب إلى الخزينة العامة (الدولة تحصل على 50% من الإيرادات) والنصف الآخر للمصاريف والنفقات التشغيلية، عازياً ذلك إلى «تبدلات سعر صرف الليرة مقابل الدولار، وإلى ظروف الحرب في الربع الأخير من السنة، والتي غاب بنتيجتها الزائر العراقي الذي يعتمد عليه الكازينو بشكلٍ أساسي». أما الإيرادات من ألعاب الميسر والمراهنات الرياضية عبر الإنترنت التي باشر الكازينو تشغيلها منذ تشرين الثاني 2022، فليس لدى خوري رقم واضح بشأنها!
غير أن «الحديث الدائم عن انعدام الأرباح، ورمي المسؤولية على محال القمار غير الشرعية التي تأكل من حصة الكازينو، ليس إلا إخفاءً للأرباح الحقيقية للكازينو بهدف تجديد الامتياز بثمنٍ بخس»، وفقاً لما تؤكده مصادر مطلعة على ملف الكازينو، فيما يعارض قانونيون وخبراء طموحات مجلس إدارة الشركة، أولاً بسبب «إلزامية إجراء مزايدة احتراماً للقوانين»، وثانياً، لأن المزايدة ستكون «فرصة لاستقطاب عارضين محليين وخارجيين قد يطرحون ما هو أفضل، خصوصاً أنّ الأرض التي بُني عليها الكازينو، وجميع مبانيه ستؤول إلى الدولة عام 2026، وبالتالي إن ما تعرضه إدارة الكازينو حالياً من إنشاء صالاتٍ جديدة داخل مبانٍ هي أساساً ملك للدولة ليس مغرياً لتمديد رخصتها 15 عاماً إضافية، فيما هناك كازينوهات عالمية أبدت اهتمامها بتنظيم ألعاب الميسر في لبنان مقابل استثمارات أضخم بكثير». أضف إلى ذلك أن الشركة تخلّفت عن تطبيق شروط المزايدة وامتنعت عن بناء فندقٍ كانت ملزمة بتشييده. ولفتت المصادر إلى أنّ أوضاع الكازينو أيضاً لا تشجع على تجديد الامتياز بعدما بات «اللاعبون الكبار يقصدون قبرص، بسبب تهالك مرافق الكازينو الذي تحول مقصداً لصغار اللاعبين على عكس وظيفة الكازينوهات بجذب لاعبين من الطبقات الثرية بهدف تحقيق أرباح».
كما يأخذ هؤلاء على الشركة أنه «باستثناء بعض التوظيفات السياسية والتنفيعات، تقاعست مجالس الإدارة المتعاقبة عن أداء مسؤوليتها الاجتماعية في قضاء كسروان، انطلاقاً من فلسفةٍ تحكم تلزيم ألعاب القمار في جميع أنحاء العالم، حيث يُفرض على المشغّل الاضطلاع بأدوارٍ إنسانية واجتماعية واقتصادية وسياحية توفّر فرص عملٍ وتُنعش على الأقل المنطقة التي يتّخذها المشغّل مركزاً لنادي القمار، تعويضاً عن الضرر الاجتماعي الكبير الذي سيلحق بها». ويقرّ هؤلاء بأن خوري، منذ توليه رئاسة مجلس إدارة الكازينو عام 2017، يدعم الحفلة الخيرية السنوية لجمعية «أم النور» (تعنى بمعالجة المدمنين)، ومنذ أربعة أشهر بدأ الكازينو مساعدة جمعية «جاد» في علاج المدمنين على القمار. «إلا أنّ هذا التدخّل الإنساني بقي محدوداً جداً، مقارنة بما يستطيع الكازينو تقديمه إلى قضاء كسروان الذي بات يعجّ بسماسرة القمار».
غير أن خبراء قانونيين يثيرون التباساً حول هذا الاتفاق، لافتين إلى أن المادة 10 من قرار وزير الداخلية الرقم 142 تاريخ 4/5/1991 المرتبط بتنظيم الترخيص لألعاب التسلية في لبنان، تحظر الأعمال الدعائية لتلك الألعاب باستثناء لوحة إعلان على باب صالة نادي القمار، أضف إلى ذلك أن حملات الدعاية للقمار أمر غير معتاد، وهذا أمر لم يلجأ إليه الكازينو منذ تأسيسه. غير أن خوري يؤكد أن لا مخالفة للقانون في الأمر، وأن «النص المشار إليه، يعني محلات الفيديو بوكر وليس ألعاب القمار والكازينو».
من أعطى الكازينو و«Bet Arabia» الحق بتكليف سماسرة؟
تنصّ المادة 633 من قانون العقوبات على أنّ من ينظّم ألعاب مقامرة، سواء في محل عام أو خاص، يُعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين. وهو ما خالفه كازينو لبنان و«Bet Arabia»، عندما عرضوا على مكاتب قمار غير شرعية التعاقد معها مقابل أن توقف العمل بالسوق السوداء وتعمل حصراً لمصلحة الكازينو، مقابل حصّة تصل إلى 22% من خسائر كل زبون يأتي عبر هذه المكاتب، وتوفير حصانة لأصحاب المكاتب ومشغّليهم أمام القضاء بموجب العقود الموقّعة مع الكازينو، رغم أنّ 80% من نشاطهم لا يزال غير شرعي. وبذلك «يكون الكازينو أيضاً شرع بفتح ما يشبه الفروع له، مخالفاً حصرية المكان التي نصّ عليها حق الامتياز الممنوح له»، وفقاً لأصحاب الرأي القانوني. غير أن خوري يدافع عن تلك المكاتب انطلاقاً من «دور السمسار المتعارف عليه في عالم القمار»، مشيراً إلى أنه أنذرها بالتوقف عن تنظيم اللعب غير الشرعي، أي من خارج منصة «Bet Arabia» بحلول نهاية أيار الحالي، و«إلا ستتعرض لدعاوى جزائية بتهمة تبييض الأموال».
ندى أيوب- الأخبار