بكثير من الضجيج والشعبوية، واكب لبنان أعمال مؤتمر بروكسيل في نسخته الثامنة والذي خصص لبحث الملف السوري والمساعدات المقدمة لدول الجوار التي تستضيف النازحين الذين باتوا حملا ثقيلا على الدول المُضيفة وتحديدا لبنان بعد سنوات من التخبط والضياع في مقاربة هذا الملف من قبل الاطراف السياسية والحزبية المتحكمة بمفاصل الحكم في البلاد. ولا يمكن فصل مسار بروكسيل عن الاجندات التي تُسوقها الدول الغربية ازاء النازح السوري والتي تُخفي في طيَّاتها بنودا مساهمة في توطين النازح في لبنان، يُشكل العامل المادي حافزا اساسيا لتطبيقها على الارض.
واللافت، أن هناك أطرافا لبنانية تعمل مع المنظمات غير الحكومية على تنفيذ الاجندات المرتبطة مباشرة بملف النزوح، وهو ما لمسته بعض القوى الحزبية التي طلبت من المعنيين مساءلة تلك الجمعيات وسحب تراخيص البعض منها، خصوصا تلك التي تعمل في المناطق الحدودية كمحافظة عكار، في حين تلعب احدى المنظمات الكبيرة من تحت الطاولة لادارة هذا الملف في الاروقة الدولية وقد كانت متواجدة في المؤتمر الاخير في بروكسيل داخل القاعة وخارجها عبر الوقفة الاحتجاجية التي نُفذت وشارك فيها بعض النواب.
خطورة ما يجري في ملف النزوح تكمن في ما يدور بالكواليس، اذ ثمة توافق ضمني مع الدول الاوروبية على ابقاء النازحين في لبنان عبر اعادة تفعيل دور الجمعيات ورفع ميزانياتها السنوية فيتم توزيع الادوار بين المفوضية والجمعيات، وهناك من يشير الى وجود أحزاب وقوى سياسية على علم بما يجري ولكنها تخشى سيف العقوبات عليها وتنأى بنفسها عن كل ما يجري في هذا الاطار. وتحرص مفوضية اللاجئين على ممارسة عملها القانوني مع الدولة اللبنانية على أن تتجاوب مع كل الطلبات الرسمية اللبنانية لاسيما بكل ما يتعلق بعدد النازحين في لبنان والتي طلبها لبنان من قبل من دون ان يصل الى نتائج ملموسة مع المفوضية.
ولا شك بأن الخطة التي عرضتها وزارة الخارجية في مؤتمر بروكسيل تُراعي فعلا تنظيم النزوح على الاراضي اللبنانية، ولكن في المقابل، هناك من يؤكد أن التنظيم شيء والترحيل شيء آخر اذ أن الاهتمام الاوروبي بلبنان ينطلق من فكرة ابقاء النازحين على اراضيه وتحت اي مسمى، حيث أبدت الدول دعمها لهذا المبدأ مع اصرارها على ابقاء العقوبات على سورية وتمديد مهلتها الى حزيران العام 2025 لتقفل بذلك أي نافذة أمام السوريين لاعادتهم الى بلادهم التي تعاني من الحصار والفقر.
مصادر دبلوماسية شاركت في الجلسات التمهيدية لمؤتمر بروكسيل، أكدت عبر “ليبانون فايلز” ان ما يحصل في لبنان من اجراءات ضد السوريين ستكون مرحلية نظرا للضغوطات التي تفرضها الدول الغربية على القوى السياسية للتراجع عن الخطوات المتخذة، لافتة الى أن السوريين الذين أقفلت محالهم التجارية أم سُجنوا لعدم امتلاكهم أوراقا تثبت وجودهم الشرعي في لبنان سرعان ما تتم تسوية امورهم ويعودون الى سوق العمل اللبناني، اما الذين طردوا من المجمعات في بعض البلدات فقد توزعوا على شقق سكنية ولا زالوا على الاراضي اللبنانية. وتشدد المصادر الدبلوماسية على ضرورة التنبُّه من خطر التغيير الديمغرافي في لبنان وتحديدا في عكار التي باتت تستقبل أكبر عدد من النازحين منذ اندلاع الازمة السورية عام 2011 حيث وصلها أخيرا الهاربين من الحرب جنوبا أو الذين تم طردهم من جبل لبنان، وهنا تكمن الخشية من سيناريوهات أمنية خطيرة في المحافظة الحدودية قد تساهم في سلخها عن لبنان.