لماذا لا يرتفع سعر صرف الدولار…. بأيّ حالات قد ينخفض
لماذا لا يرتفع سعر صرف الدولار؟… سؤال يصيب المراقبين بالحيرة، خصوصاً إذا ما رُبط بتداعيات الفراغ الرئاسي والعجز الحكومي الذي يقترب من الشلل، وكذلك بالحرب الدائرة في جنوب لبنان منذ 9 تشرين الأول الفائت إلى اليوم… فهل هناك سرّ خلف هذا الاستقرار؟ هل هو استقرار جدّي أم وهمي؟ وما هي احتمالات ارتفاع سعر الصرف مجدّداً؟ بل هل هناك فرصة لانخفاضه؟ وبأيّ حالات قد ينخفض؟
تقول مصادر مصرف لبنان لـ”أساس” إنّ “العمود الفقري لاستقرار سعر صرف الدولار اليوم هو الفائض المحقّق بميزان المدفوعات”، الذي سجّل في نهاية العام الفائت 2023 فائضاً قيمته 1.6 مليار دولار، وذلك لأوّل مرّة منذ بداية الأزمة في عام 2019، وكان أقصاه في عام 2020 يوم وصل العجز إلى قرابة 10.5 مليارات دولار.
“ميزان المدفوعات” هو صافي الأموال الوافدة إلى لبنان والخارجة منه بالعملات الأجنبية، والذي يختلف عن الميزان التجاري الذي يقارن بين حجم الاستيراد وحجم التصدير الذي يسجّل عجزاً بنحو 4 أضعاف، إن لم يكن أكثر.
وتضيف مصادر مصرف لبنان إنّ هذا الفائض يشير إلى “وضع نقدي سليم وصحّي”. بينما العجز المسجّل في الميزان التجاري تقع مسؤوليّته على عاتق الحكومة، التي ستكون مطالبة في معالجة هذا العجز من خلال رسم سياسات اقتصادية متوازنة تقلّص الفارق بين الرقمين… وهذا يبدو شبه مستحيل في ظلّ الأزمة.
تفنّد المصادر نفسها هذا الفائض على الشكل التالي: الأموال التي تأتي من الخارج إلى الداخل اللبناني عبر التحويلات المصرفية وعبر شركات تحويل الأموال قيمتها قرابة 7 مليارات تحويلات، ونحو 3.5 مليارات دولار من أموال التصدير، وبين 3 و 5 مليار دولار أخرى من السياحة والمساعدات، إضافة إلى الأموال غير المنظورة، التي تدخل عبر جيوب المواطنين أو من خلال الدعم السياسي الخارجي.
هذه الأموال بالعملات الصعبة هي التي تمكّن مصرف لبنان اليوم من زيادة منسوب احتياطاته. ولولاها لما استطاع المصرف المركزي الحصول على دولار واحد من السوق.
فينا وما بدنا
أمّا عن سعر الصرف 89,500 ليرة، وإن كان أعلى من قيمته الفعلية، كيف للحرب الدائرة في الجنوب ألّا تؤثّر عليه؟ تجيب المصادر عن هذين السؤالين بالقول إنّ سعر صرف الدولار (89,500 ليرة) هو بالفعل أعلى من قيمته الحقيقية. وهذا الرقم بمنزلة “هامش حماية” يسمح لمصرف لبنان بضبط سعر صرف الدولار ويعود عليه بالربح وليس العكس.
بالتالي فإنّ القول إنّ المصرف المركزي عاد إلى سياسة تثبيت سعر صرف الدولار على طريقة الحاكم السابق رياض سلامة. هو في نظر مصادر مصرف لبنان “تهمة سخيفة”، وذلك لأنّ “نهج سلامة تسبّب بإنفاق 1.2 مليار” عبر منصّة “صيرفة” بحجّة تثبيت سعر صرف الدولار، بينما النهج الحالي “أفضى إلى ربح 1.2 مليار من خلال هذه العملية وليس العكس”. وبالتالي “لا يمكن مقارنة تثبيته لسعر صرف الدولار في السابق بما يحصل اليوم”.
في المقابل، لا تنفي مصادر مصرف لبنان قدرتها على خفض سعر صرف الدولار إلى نحو 60 ألف ليرة للدولار الواحد. لكنّها في الوقت نفسه تؤكّد أنّها حتى لو كانت قادرة على ذلك فلن تفعل، لأنّ “الأولوية اليوم هي للاستقرار وليس للانخفاض”، ولهذا لا يجرؤ مصرف لبنان على التضحية بهذا الإنجاز، مذكّرة بأنّ خفض سعر صرف الدولار سيدفعها إلى الدفاع عن أيّ رقم يهبط إليه سعر صرف الدولار، و”المركزي” غير مضطرّ إلى فعل ذلك اليوم. خصوصاً أنّ الانخفاض “سيؤثّر أيضاً على إيرادات الدولة المقوّمة بالدولار على سعر الصرف الحالي (89,500 ليرة)”.
وداعاً “بلومبرغ”؟
يفيد كلّ هذا الكلام بأنّ مصرف لبنان لم يعد مهتمّاً بإطلاق منصّة “بلومبرغ”، التي وعد بها المواطنين منذ مطلع العام. وفي هذا الصدد تفيد المعلومات بأنّ مصرف لبنان كان يقوم بالتحضيرات لإطلاقها بين شهر تشرين الثاني الفائت ومطلع العام الحالي، لكن حرب غزة أجّلت التنفيذ..
في حينه كانت الكتلة النقدية بالليرة مجفّفة من السوق لنحو 52 تريليوناً، تحضيراً للإطلاق… فأتت الحرب، وهذا تحديداً ما “عزّز من فرص مصرف لبنان في حماية سعر الصرف الحالي”.
لكن اليوم أصبح الوضع مختلفاً، إذ يعاني جنوب لبنان من دمار هائل، وقد تكلّف إعادة إعماره المليارات. وتلك المليارات ما زالت حتى اللحظة مجهولة المصدر: فهل تتكفّل الدول الغربية أو العربية بإعادة الإعمار؟ أم إيران والحزب؟ وماذا عن قدرة الدولة اللبنانية على التعويض وإعادة الإعمار؟ (ساهمت الحكومة في 1 مليون دولار أمس).
تجيب أوساط مصرف لبنان على هذه التساؤلات بالقول إنّ “أموال إعادة الإعمار سوف تكون خارجية لا داخلية، وسوف تجلب الكثير من الدولارات إلى الداخل اللبناني”. ربّما تلك اللحظة قد تكون مؤاتية لإطلاق منصّة “بلومبرغ” لأنّها ستكون عاملاً مساعداً على تحقيق أمرين:
1- خفص سعر الصرف.
2- جمع “المركزي” للدولارات.
وخصوصاً أنّ حجم الكتلة النقدية بالليرة الموجود في السوق اليوم بحسب ما تؤكّد المصادر نفسها، هو قرابة 600 مليون دولار فقط. بينما المصرف المركزي يملك الضعفين (1.2 مليار دولار). وعليه، ترى المصادر أنّ هذه العوامل “إذا ترافقت مع قيام السلطة بالإصلاحات، وخصوصاً ضبط ميزانها التجاري (ضبط الاستيراد) وإعادة هيكلة المصارف من أجل إعادة إطلاق التسليفات… فعندها نكون قد وضعنا الاقتصاد اللبناني على سكّة النموّ مجدّداً”.
لكن طالما هذه الشروط غير متوافرة، فإنّ إطلاق “بلومبرغ” سيبقى معلّقاً، على الرغم من أنّ بنيتها التحتية أصبحت جاهزة بكلّ تفاصيلها… لكنّ الأمر الأكيد أن لا خوف على سعر صرف الدولار من الانفلات مجدّداً، كما لا أمر بخفضه على الإطلاق. بل على العكس، تشي أوساط مصرف لبنان بأنّها قد تملك خططاً أخرى مختلفة من صنف: شطب أصفار أو تغيير العملة كلّها وليس خفض سعر الصرف!
عماد الشدياق اساس ميديا