الموضوع يتعدّى قصة الخردة، والملفّ يتصل بما هو أبعد من حديد ومخلفات انفجار. هو ذاك الانفجار الذي لم يهز مرفأ بيروت فقط، قبل أربعة أعوام، بل هو الحدث الذي أردى معه البلد برمّته، الى القعر.
ولكن، على الرغم من أن الانفجار يعني أولاً، سقوط ضحايا وجرحى ومفقودين، ووقوع أضرار مادية، وبالتالي هو يحتم معرفة حقيقة المرتكبين ومحاسبتهم، فإن الأعوام الأربعة التي مرّت لم تحمل فقط تأخيراً وعرقلة في هذه الناحية، بل إن التأخير انعكس أيضاً على الحديد… والخردة فيه.
وإن كان التأخير في معرفة الحقيقة أشدّ ألماً، ولا يزال يترك “ندوبه” عند غالبية اللبنانيين، فإن التأخير في ملف بيع الحديد وصل الى خواتيمه، إذ أعلن وزير الأشغال العامة علي حميّة أنه الأسبوع المقبل ستبدأ عملية البيع والخردة، بعد انتهاء المزايدة.
فهل يمكن الحديث عن “تأخير تقني” في إطلاق هذه العملية؟ وما المسار الذي قطعه مسار المزايدة منذ أربعة أعوام؟
مهل طبيعية
“إن الأمور سارت وفق الأصول، وبإشراف هيئة الشراء العام”.
بهذه المعادلة، يجيب رئيس هيئة الشراء العام جان العليّة “النهار”، ويؤكد أنه لا يمكن الحديث عن “تأخير”، بكل ما للكلمة من معنى.
يشرح: “هذا الأمر يتطلب وقتاً، ونستطيع القول إن الأمور صارت تحت وقع المهل المرتبطة بطبيعة ملفات مماثلة. التعاون تمّ من جانب مرفأ بيروت ممثلاً بإدارته، وبمراقبة من هيئة الشراء العام”.
هكذا، يطمئن العلية أن الأمور سارت وفق المسار العلمي – التقني المطلوب، يعلق: “الأهم أن المزايدة التي تمت أتت وفق القوانين اللبنانية المرعيّة الإجراء، وفي مقدمها قوانين الشراء العام”.
إذن، الأسبوع المقبل، يُفترض أن تبدأ عملية بيع الخردة والحديد والمخلفات التي تركها ذاك الانفجار المشؤوم، باستثناء السيارات، إذ ينتظر أن يبدأ العمل قريباً على ملف آخر يتصل بالسيارات حصراً، من خلال إطلاق مزايدة علنية أخرى، تتعلق ببيع خردة سيارات المرفأ، التي يبلغ عددها نحو 1100 سيارة قضى عليها الانفجار، بحسب وزير الأشغال.
ومن المعلوم أن المزايدة العلنية العامة، التي تمت عبر هيئة الشراء العام، رست على تحالف شركتي كونكورد ـ سلطان، وكانت النقطة الأهم في هذا الملف، أن تحوز الشركة المعنية أعلى علامة في التقييم الفني – العلمي، وأدنى علامة في التقييم المالي.
ووفق المعلومات التي أعلنها حميّة، خلال إطلاقه عملية المزايدة في مؤتمره الصحافي الأخير، فإن “قيمة العرض الذي قدمته الشركتان المتحالفتان الفائزتان بلغ 245 دولاراً للطن الواحد، انطلاقاً من وجود 28 ألف طن خردة متنوّعة ستزال من حرم المرفأ”، على أن تستغرق العملية نحو 75 يوم عمل.
مسار العملية
هذا المسار الذي يُفترض أن ينطلق الأسبوع المقبل، قطع مساراً من المناقصات أو المزايدات التي لم تبصر النور، في مواعيد حُدّدت سابقاً، بل تأخر الأمر نحو أربع مرّات.
ووفق معلومات “النهار”، فإنه سبق أن أعلنت إدارة واستثمار مرفأ بيروت أن مزايدة بيع المعادن والخردة التي خلّفها انفجار 4 آب 2020 قد تنطلق في كانون الأول 2023، لكن الوضع السياسي المتأرجح حينها، ولاحقاً الوضع الأمني الذي فرضته أحداث الجنوب، أخرّا الملف، ولا سيما بالنسبة الى أي شركة عارضة تنوي دخول المزايدة.
ففي 30 آب 2023، كانت قد أطلقت مزايدة، وحدّد الموعد الأول لفضّ عروضها في 3 تشرين الأوّل 2023. خلال هذه الفترة، كان دفتر الشروط يخضع لبعض التعديلات أو الإضافات، إن كان من جانب إدارة المرفأ أو الشركات العارضة، فتأخر العمل قليلاً.
وبمعزل عن الجانب السياسي – الأمني، الذي دخل كعامل بارز في تحديد موعد إطلاق المزايدة، فإن ثمة عاملاً تقنياً لا يقلّ أهمية، بل إنه يتصل إلزاماً بشروط أيّ مزايدة قد تتم، وهو ما يتصل بضرورة خلو الخردة والحديد والمعادن المتجمّعة من أيّ موادّ إشعاعية، الأمر الذي أدّى الى إجراء فحوص متتالية تولتها الهيئة الوطنية للطاقة الذرية التي أنشأها المجلس الوطني للبحوث العلمية. وبعد إعلان النتائج التي أتت “مرضية” أو مطمئنة على هذا الصعيد، سلكت المزايدة مسارها الطبيعي، حتى موعد الإعلان الرسمي أول من أمس.
كلّ هذا المسار يؤكد العليّة أنه “أتى ضمن الإطار الطبيعي للمهل، والأهم من المدة الزمنية التي استغرقها الملف هو تطابقه مع الجانب القانوني وأصول الشراء العام”.
هكذا، حوّل انفجار 4 آب، مرفأ بيروت، الى “خردة وحديد للبيع”، لكن الأهم ما هو أبعد من حديد ومادة، فماذا عن “المخلّفات البشرية” لذاك الانفجار التي لا تزال تؤلم الأهالي ولم توصلهم الى الحقيقة بعد، ونحن قاب قوسين من الذكرى الرابعة لتلك “الهزّة” التي لا تزال ارتداداتها ثقيلة في النفوس…؟