نجحت وزارة الطاقة في إدخال إيرادات مالية إضافية إلى صندوق مؤسسة كهرباء لبنان، عبر رفع التعرفة، ما ساعدَ وفق وزير الطاقة وليد فيّاض، على “تمتين التوازن المالي للمؤسسة، مما يساهم في تحسين التغذية”. لكن الإيرادات الإضافية لم تُسهِم بتحسين الواقع الإداري للمؤسسة، خصوصاً المتعلّق بإدارة عملية ضبط قراءة العدّادات وتنظيم الفواتير وطباعتها وإصدارها وجبايتها، الأمر الذي يفتح المجال أمام إخفاء الأرقام الحقيقية لمستحقات المؤسسة على المواطنين لقاء استهلاكهم للكهرباء، وإخفاء ما يُجبى وما يذهب للمؤسسة في نهاية المطاف بعد تسليم شركات مقدّمي الخدمات لأموال الجباية.
وتبرز بين حين وآخر، بعض الطرق المعتَمَدة لإخفاء الحقيقة والتلاعب بالأرقام وتحقيق مكاسب خاصة على حساب المال العام، وآخرها، انتشار فواتير غير موقَّعة من محتَسِب المؤسسة. ما ينسف قانونية الفواتير وما يلحق إصدارها من تحصيل لقيمتها وتحويلها إلى حسابات المؤسسة.
فوضى وتزوير
عزَّزَت الأزمة الاقتصادية وما تبعها من عدم انتظام العمل في إدارات ومؤسسات الدولة، حالة الفوضى في مؤسسة كهرباء لبنان. وتعمَّقَت الفوضى بعد جريمة تفجير مرفأ بيروت الذي تسبَّبَ بأضرار بالغة في المبنى المركزي للمؤسسة، أعاقت العمل بصورة طبيعية وفتحت المجال أمام انتشار الفوضى التي كانت موجودة سابقاً.
وفي السياق، تنتشر فواتير صادرة من مؤسسة كهرباء لبنان، لا تحمل توقيع محتسب المؤسسة. وهي بالتالي فاقدة لمؤشِّر أساسي على صحّتها كمستند صادر عن مؤسسة رسمية ستذهب قيمة الفاتورة إلى صندوقها. وما يثير الغرابة، هو انفراد المؤسسة بطباعة الفواتير قبل إحالتها إلى شركات مقدّمي الخدمات للبدء بجبايتها، وبالتالي، هناك احتمالان أساسيان في هذا الملف، الأوّل هو طباعة تلك الفواتير في المؤسسة، لكنها لم تُوَقَّع ضمن السياق الصحيح، أي طُبِعَت لتُستَعمَل لأغراضٍ مُخالِفة للقانون، أو طُبِعَت خارج المؤسسة، وهنا المصيبة أكبر. لكن في جميع الأحوال هناك خرق حاصل يستوجب التحقيق به.
ولا تستغرب مصادر في المؤسسة وجود فواتير غير موقَّعة من المحتسب، لأن هذا الإجراء هو أمر “طبيعي، في ظل واقع المؤسسة والتساهل بحق المخالِفين”. وتقول المصادر في حديث لـ”المدن”، أن الفواتير غير الموقَّعة ضمن الإجراءات السليمة “هي امتداد لفضائح أخرى حصلت سابقاً، ومنها ما ظهر في العام الماضي من تهريب لفواتير فارغة يستعملها جباة وهميون، يطبعون عليها المعلومات المطلوبة، لتظهر أنها فاتورة صحيحة، ويتم تقاضي قيمتها من الزبائن”. وعدم وصول أمن الدولة ومؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة إلى خواتيم سعيدة تضبط الفوضى والتزوير والاستغلال السلبي لمسألة الفوترة والجباية، شجّعَ على استحداث أسلوب جديدة للتحايل على آلية الفوترة والجباية. علماً أن المسؤولين في المؤسّسة “تعهّدوا أثناء التحقيق معهم في قضية الفواتير الفارغة، بإجراء ما يلزم لعدم تكرار هذا الخلل. وتكرَّر ولم يحصل شيء”.
إعادة النظر بالواقع
مشكلة التلاعب بالفواتير، ليست وليدة نتائج الأزمة الاقتصادية وتعثُّر عمل المؤسسات العامة، أو حتى تداعيات تفجير مرفأ بيروت، بل هي إجراء تعود إحدى صُوَرِه إلى العام 2014 حين كَشَفَ مياومو المؤسسة قيام بعض شركات مقدّمي الخدمات بطباعة الفواتير خارج المؤسسة، بحجّة تسيير العمل في ظل ما اعتبره مقدّمو الخدمات “ظروفاً قاهرة”، وحينها لم يكن العمل في المؤسسة ينتظم بشكل دائم نظراً لإضرابات المياومين وإقفالهم مراراً المبنى المركزي للمؤسسة، في أعقاب تحركاتهم لإقرار تثبيتهم في ملاك المؤسسة. على أن تلك الظروف لم تكن قاهرة بالفعل، وكان يمكن وسطها، الإلتزام بالسياق الصحيح لإصدار الفواتير عبر المؤسسة فقط.
وتؤكّد المصادر أن ما يحصل في المؤسسة “يستدعي إعادة النظر بالواقع ككلّ”. لكن في أعقاب عدم القدرة على الانتقال من واقع إلى آخر بلمح البصر “على إدارة مؤسسة كهرباء لبنان تشديد الرقابة على طباعة الفواتير وجبايتها. كما أن على الأجهزة الأمنية التحرّك بسرعة لتوقيف منتحلي صفة الجباة وتوقيف بعض الجباة الحقيقيين الذين يساهمون بالتزوير”. وللمساهمة في انتظام الأمور قدر الإمكان “على مؤسسة الكهرباء تشديد الرقابة على شركات مقدّمي الخدمات لناحية القيام بقراءات صحيحة للعدادات وفوتَرَتها وجبايتها وتحويل الأموال إلى حساب المؤسسة. وهو أمر لا يتمّ بالوتيرة المطلوبة، ما يزيد احتمالات الغشّ والتزوير والتلاعب بالعدادات والفواتير”.
تلك الفوضى تساهم أيضاً في زيادة الضغط والأعباء على موظّفي المؤسسة الذين يضطرون إلى التدقيق بآلاف الفواتير التي يطالب أصحابها بمراجعتها نتيجة الأخطاء. إذ تلفت المصادر النظر إلى أن “الموظفين المعنيين في التدقيق بالفواتير، يواجهون مراجعات كثيرة من مواطنين يشكون وجود أخطاء في فواتيرهم التي تصدر بأرقام ضخمة جداً لا تعكس حقيقة الاستهلاك الصحيح. وقد وَقَعَ وزير الطاقة ضحية مثل هذا الخطأ، على أنّ موقعه كمسؤول، أتاح له سهولة التصحيح. لكن ماذا عن المواطنين المجبَرين على اتّباع روتين إداري مع مؤسسة الكهرباء ومقدّمي الخدمات لإزالة الغبن الواقع عليهم، وقد لا يصلون إلى مرادهم. كما لا تقف انعكاسات اتلاعب بالفواتير على حقوق المواطنين، بل تنسحب أيضاً على حرمان مؤسسة الكهرباء من إيرادات كبيرة تتناقص في ظل الأزمات المرتبطة بعمل شركات مقدّمي الخدمات. وهنا، تجزم المصادر أن “حجم الجباية قبل تنفيذ مشروع مقدّمي الخدمات، كان أكبر بكثير ممّا هو عليه في ظل المشروع”.
خضر حسان – المدن