رغم دخول السلك الديبلوماسي في عطلة الصيف، مؤدياً إلى تباطؤ في النشاط السياسي للسفراء بشكل عام، يسجل للسفير السعودي وليد بخاري حركة متجددة، من خارج مجموعة سفراء الدول الخمس المهتمة بالملف اللبناني، إذ كان له جولة على عدد من القيادات السياسية والأمنية بالتزامن مع نشاط رعاه إلى جانب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في السرايا الحكومية وهو توقيع مذكرة التعاون المشترك بين مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية والهيئة العليا للإغاثة اللبنانية.
قدمت المملكة تمويلاً لتنفيذ 28 مشروعاً في مختلف المناطق اللبنانية، قيمته عشرة مليارات دولار. وأكد بخاري أن هذا الدعم يأتي امتداداً لحرص القيادة السعودية على دعم العمل الإنساني والإغاثي، وتحقيق الاستقرار والتنمية. ولم يفت السفير السعودي التذكير بمجموع ما قدمته المملكة ضمن عمل المركز في العالم الذي حصد منه لبنان تنفيذ 129 مشروعاً بقيمة بلغت مليارين و718 مليون دولار. ولكن هل حرص أيضاً البخاري في تحديده الأهداف الإنسانية والتنموية والإغاثية للمساعدة على حصر اهتمام المملكة بلبنان بهذه الأبعاد دون غيرها من الأبعاد السياسية التي يعول عليه فريق كبير من اللبنانين ضمن سياسة المحاور التي تحكم المشهد الداخلي، خصوصاً بعدما قلصت المملكة من حجم انخراطها في الملف اللبناني إلا من باب الاستمرار في إعلان دعم استقراره السياسي والأمني؟
فباستثناء الدور الذي يضطلع به بخاري ضمن الخماسية، لا تعكس لقاءاته الثنائية مع قيادات أو مع نواب سنة قراراً بعودة للانخراط التام في الملف اللبناني. وفي رأي مرجع سياسي، أنه لا يمكن تحميل حركة بخاري أكثر مما تحتمل. وهي في رأيه لا تحمل عنصراً جديداً أو تغييراً في السياسة السعودية حيال لبنان والقائمة، منذ تولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان هذا الملف، على مأسسة العلاقات ووضعها في الإطار الطبيعي لعلاقات المملكة مع الدول القائمة على المصالح المشتركة، لا سيما وان خطوات لبنان وإجراءاته المتخذة في اتجاه المملكة ظلت دون المستوى المطلوب، ولا سيما في ما يتعلق بمكافحة التهريب ومكافحة الفساد وتأمين الشفافية في المعاملات.
الأكيد بحسب المرجع السياسي نفسه، أن الخطوة السعودية ترمي إلى تأكيد استمرار حضور المملكة في لبنان، وأن لا نية للتخلي عنه في ظل الأوضاع الاستثنائية التي يمر بها، ولكنها لن تتجاوز هذا الحضور إلى انخراط في الموقف السياسي، ولا سيما من “حزب الله”، وقد تجلى ذلك أخيراً في إعادتها تصويب موقف الجامعة العربية منه على إثر المواقف التي صدرت عن نائب أمينها العام السفير حسام زكي إبان زيارته الأخيرة إلى بيروت، والتي أثارت التباسات في النقاط مغزى الكلام الذي تحدث فيه عن عدم تصنيف الحزب منظمة إرهابية. وفي رأي المرجع، أن رادار المملكة سيظل يلتقط أي إشارات تستدعي التدخل أو الرد، ولكنها لن تكون صاحبة مبادرة في المرحلة الراهنة، والملف متروك حالياً في عهدة الخماسية التي تشكل السعودية عضواً ناشطاً وفاعلاً فيها، وإن كان التقارب الاميركي الفرنسي الأخير يشي عكس ذلك.
لم يكن اختيار السرايا للإعلان عن المساعدة المالية إلا لتجديد التأكيد السعودي أن أي مساعدات أو دعم للبنان لن يكون إلا عبر مؤسساته الرسمية ضمن قرار مأسسة العلاقات. أما احتضان فئة سياسية على حساب أخرى او طائفة دون اخرى، فهذا رهان سقط من أجندة المملكة، أقله في الوقت الراهن!
“النهار”- سابين عويس