طارق خليفة: وعد بدفع 10% ممّا “س ر قه”… وخرج حُرّاً

قُضي الأمر… وجرى احتواء ملفّ رئيس مجلس إدارة بنك “الاعتماد المصرفي” طارق خليفة بعد الاستماع إلى شهادته، ودخوله في مسار تسوية à la libanaise، استطاع خليفة أن يحظى بموجبها على اتّفاق مبدئي. ربّما تنتهي القضية بـ”تبويس لحى مالي” بين مدّعي عام التمييز القاضي جمال الحجار ومصرف  لبنان ولجنة الرقابة على المصارف من جهة، وبين طارق خليفة ومصرفه “الاعتماد المصرفي” من جهة أخرى.

التسوية بين مدّعي عام التمييز ومصرف  لبنان ولجنة الرقابة على المصارف من جهة أولى، وبين طارق خليفة ومصرفه “الاعتماد المصرفي” من جهة ثانية، ستفضي إلى دفع مبلغ يراوح بين 30 و32 مليون دولار “فريش” من أجل سدّ فجوة في حسابات المصرف المذكور بنحو 300 مليون “لولار” (نحو 11%). وكلّ هذا من أجل حماية أموال مودعين كانت آيلة إلى التبخّر في حال أُعلن إفلاس المصرف أو سُجن رئيس مجلس إدارته…

1.8 مليار دولار بمهبّ الريح؟

قد يبدو هذا الكلام لطيفاً على مسامع مودعي “الاعتماد المصرفي”. لكنّه في المقابل ضربة للقضاء في  لبنان، مع تكرار أسئلة عدّة بقيت عالقة في الحناجر من صنف: هل وصلنا إلى حدود ملاحقة المجرم أو السارق للتفاوض معه من أجل ردّ المسروقات، ثمّ تنتهي القضية بعد ذلك باعتذار من هنا أو “واسطة” من هناك؟ ولماذا آثر مدّعي عام التمييز جمال الحجار المشهود له بنظافة الكفّ السير بتسوية من هذا النوع وبهذه الطريقة الغريبة؟

تشير المعلومات إلى أنّ “المصلحة العليا” كانت تقتضي السير بهذه “التخريجة” للحفاظ على أموال “الاعتماد المصرفي” أوّلاً، ثمّ على أموال المودعين، وخصوصاً من أجل إبعاد “كأس السُمّ” عن فَمِ مصرف  لبنان الذي كان سيتورّط بتفليسة مصرف في ذمّته 1.8 مليار دولار من الودائع.

أمّا ما ساهم، فوق مسألة الودائع، في لفلفة الملفّ بهذه الطريقة، فهو البُعد الطائفي الذي يرفض أحد الاعتراف به: فالجهة المدّعية هي “مصرف لبنان” الذي يحكمه حاكم بالإنابة “شيعيّ” اضطرّ إلى أن يقصد البطريركية من أجل شرح ملابسات الملاحقة بحقّ طارق خليفة “المسيحي”. كما أنّ المدير المولج بإدارة المصرف مؤقّتاً هو الدكتور محمد بعاصيري “السنّي”، ومدّعي عام التمييز الذي استدعى طارق خليفة هو القاضي جمال الحجار “السنّيّ” أيضاً… وهو ما يعني أنّ إطلاق النار على المسألة برمّتها كان سهلاً من باب اتّهام “المسلمين” باستهداف “المسيحيين”.

كيف بدأت القصّة؟

تقول المعلومات إنّ طارق خليفة، مثل أكثر من مالك مصرف محلّي، استغلّ الشطط بالقطاع المصرفي، واستفاد بأساليب ملتوية من أجل التربّح، ووصلت هذه الأساليب إلى حدود تقاضي عمولات من العملاء والكذب والتزوير والاختلاس في ملفّات يعود تاريخها إلى ما قبل الأزمة بسنوات مديدة… وصولاً إلى اليوم.

بدأت القصّة مع لجنة الرقابة على المصارف ورئيستها مايا دباغ، التي لم يستوعب مطالبها طارق خليفة ولا حتى فريق عمله. وكانوا عند كلّ مخالفة يعدونها بالإصلاح والتعديل ولا يفون بالوعود… إلى حين ضاق ذرع رئيسة اللجنة، فاتّخذ المصرف المركزي إجراءً بحقّ “الاعتماد المصرفي” قضى بتعيين مدير مؤقّت هو الدكتور محمد بعاصيري، الذي يرفض الحديث بهذا الملفّ في هذا التوقيت الحرج، ويؤكّد أنّه “ينذر للرحمن صوماً”.

قد يسأل البعض لماذا طارق خليفة وليس أيّ صاحب مصرف آخر؟

يأتي الجواب سريعاً من جهات عليمة ومطّلعة على تفاصيل هذا الملفّ بأنّ “طارق خليفة وقع”، أي أنّ سلوكه مع اللجنة لم يسعفه.. وحينما وقع “كَثُرَ السلّاخون”. وهذا الإجراء ليس محصوراً بـ”الاعتماد المصرفي” بل سوف يُتّخذ بحقّ أيّ مصرف ارتكب مخالفات مشابهة.

ارتكابات بالجملة

أمّا عن كيف وقع؟ فهاكم التفاصيل:

– باع “الاعتماد المصرفي” شيكات بـ”اللولار” واستخدمها من أجل زيادة رأسماله، وهو ما اعتبره المصرف المركزي أسلوباً ملتوياً ومخالفاً لتعليماته التي كانت تقضي باستقطاب رؤوس أموال من خارج القطاع المصرفي المحلّي.

– التدقيق الذي أجراه المدير المؤقّت محمد بعاصيري مع فريق عمله اكتشف فضائح فظيعة في حسابات المصرف، منها: شراء مصرف في أرمينيا سجّل مع الوقت خسارة قُدّرت بنحو 120 مليون دولار أميركي نتيجة تسليفات غير مستوفية الشروط، ثمّ تحويل 70 مليون دولار من حسابات المصرف في  لبنان إلى أرمينيا من أجل إطفاء خسائره، وهو ما يعني أنّ الملايين الـ70 دُفعت من أموال المودعين اللبنانيين.

 أظهر التدقيق بالملفّات أنّ طارق خليفة لديه شراكات مع جهات كانت تستدين من مصرفه مقابل عمولات كان يحصل عليها من تلك الجهات نفسها، كما أنّه قد استدان أموالاً لذاته عن طريق أطراف ثالثة.

– استخدم طارق خليفة شركة اسمها “إنفست برو” لكي تحصل لمصلحة المصرف على أموال ناتجة عن مضاربات بالليرة وتجارة شيكات مصرفية.

تسوية “بالتقسيط المريح”

أدّت كلّ هذه الارتكابات إلى خلق فجوة في حسابات المصرف وصلت إلى 309 ملايين لولار لم يسدّها طارق خليفة من سنوات ولن يسدّها اليوم لولا الادّعاء عليه أوّلاً، ثمّ جلبه والاستماع إليه ثمّ عرض تسوية عليه “لم تتمّ حتى الآن” بحسب المصادر، وإنّما يُعمل على إنجاحها، وتقضي بدفعه 10 ملايين دولار “فريش” في غضون مهلة قد تمتدّ إلى نحو شهرين، وذلك عن طريق بيع مجموعة من العقارات يملكها طارق خليفة نفسه، وأخرى يملكها مصرفه “الاعتماد المصرفي”، بينما بقيّة المبلغ (20 مليون دولار) ستكون مقسّطة ضمن مهلة قد تمتدّ إلى نحو سنة كاملة، وستكون الضمانة “سيف” مدّعي عام التمييز “المُسلّط” فوق مصير طارق خليفة.

هذا النهج تعتبره الأوساط المصرفية والقضائية المتابعة “أفضل الممكن”، وإلّا ما النفع من توقيف طارق خليفة أو الحكم عليه وسجنه؟ بل ما نفع المودعين إذا قال: “لا أملك الأموال… صفّوا المصرف واسجنوني”؟… عندها قد يفتح خليفة “أبواباً مغلقة” على السلطة النقدية فتكرّ سُبحة الفاسدين الذين سيخرجون ويقولون للقضاء: “يا خوف عكّا من هدير البحر”.

لكن هل هذا نهج يُحتذى به من أجل محاسبة الفاسدين، ووضع القطاع المصرفي على سكّة الهيكلة السليمة والجدّية المتوخّاة؟

الجواب: قطعاً لا.

عماد الشدياق – اساس ميديا

Exit mobile version