تُحاول الولايات المتحدة الأميركية قبل مطالبة الحكومة اللبنانية من مجلس الأمن الدولي التجديد لولاية قوّات “اليونيفيل” العاملة في جنوب لبنان (منذ العام 1978) سنة إضافية، في أواخر آب من كلّ عام، الإستفادة من هذا التمديد الذي يُفترض أنّه “روتيني”، لإدخال تعديلات عليه تصبّ في مصلحة حليفتها “إسرائيل” في المنطقة. وكان قد أثير الجدل خلال السنة الماضية، حول التعديلات التي فُرضت لأول مرّة على قرار التمديد في السنة التي سبقتها (أي في العام 2022)، وتقضي بـ “منح “اليونيفيل” حقّ القيام بمهامها بصورة مستقلّة، وتسيير الدوريات المُعلن وغير المُعلن عنها دون مؤازرة أو إبلاغ الجيش اللبناني”. وقد رفض لبنان هذه التعديلات لا سيما صلاحية تحرّك “اليونيفيل” من دون مواكبة الجيش اللبناني أو التنسيق معه، على ما كان معتمداً في السنوات السابقة.
ويكتسي قرار التمديد لليونيفيل هذا العام، أهمية إضافية، بحسب أوساط ديبلوماسية مطّلعة، سيما وأنّه يأتي في ظلّ المواجهات العسكرية الدائرة منذ 8 تشرين الأول الفائت بين حزب الله و”إسرائيل” عند الجبهة الجنوبية. وكانت هذه الأخيرة قد طالبت، على لسان الولايات المتحدة بضرورة توسيع نطاق عمل “اليونيفيل” لكي يتسنّى لها الدخول الى المناطق التي يتواجد فيها “حزب الله” عسكرياً بهدف معرفة الأماكن التي يُخبّىء فيها أسلحته، ومواقع عناصره وما الى ذلك… واليوم مع تغيّر الوضع الأمني على الأرض، تتساءل عمّا يُمكن أن تُطالب به أميركا لتحقيق مطالب “إسرائيل”. في الوقت الذي يجد فيه البعض أنّ التمديد للقوّة الدولية سيمرّ مرور الكرام في أواخر آب المقبل من دون أي مشاكل أو خلافات تُذكر، رغم حساسية الوضع على الحدود، والسعي الدولي والعربي للبحث عن حلّ ديبلوماسي يُعيد اليها الأمن والإستقرار الدوليين.
غير أنّ الأوساط نفسها، تجد العكس، مشيرة الى أنّه صحيح أنّ الولايات المتحدة لا يُمكنها اليوم الخوض في سجالات حول التمديد لليونيفيل، بعد أن بدأت حملتها الإنتخابية الرئاسية، غير أنّ قرار التمديد لا يزال يستحوذ على اهتمامها. فقد بحث كبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين، هذا الأمر خلال زيارته الأخيرة الى باريس مع المسؤولين الفرنسيين ولا سيما مع الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان. ومن المعروف أنّ فرنسا هي التي تخط غالباً، مسودة مشروع قرار التمديد لليونيفيل، وهي التي تفعل هذه السنة أيضاً. وقد باتت المسودة الأولى على قاب قوسين من مناقشتها مع الدول الأعضاء لإدخال ما يلزم عليها من تعديلات توصّلاً الى الصيغة النهائية. وقد بدأت فرنسا بالعمل عليها منذ نحو الشهرين، كما قامت بالتنسيق مع الخارجية اللبنانية بشأنها تلافياً لحصول أي مفاجآت أو خلافات. على أن تُحيل مشروع القرار الى مجلس الأمن الدولي في آب المقبل للتصويت عليه في جلسة تُعقد في أواخره.
هذا وأودعت وزارة الخارجية والمغتربين منذ أيّام، على ما ذكرت، بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك رسالة موجهة من الوزير عبدالله بوحبيب إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تتضمن طلب لبنان تجديد ولاية اليونيفيل لسنة إضافية. وأكّدت فيها تقدير لبنان للدور الذي تضطلع به قوات حفظ السلام في الجنوب، كما تمسكه بتطبيق القرار 1701 (2006) كاملاً. ويُطالب لبنان بالإبقاء على قرار التمديد للقوّة الدولية بصيغته الحالية، من دون إدخال أي تعديلات عليه، خصوصاً وأنّ القرار الأممي أوجب مرافقة الجيش لدوريات “اليونيفيل” ضمن نطاق عملياتها في القرى الحدودية الجنوبية. ولهذا فإنّ التعديل الأخير لم يُنفّذ على أرض الواقع.
وفي ما يتعلّق بـ “قواعد الإشتباك” التي اعتمدت منذ وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان في تمّوز- آب 2006، واستناداً الى القرار 1701 الذي نصّ على وقف الأعمال العدائية بين الجانبين، تقول الأوساط عينها بأنّ الطرفين لا يزالان يُحافظان عليها ضمناً. وإذ تنشغل كلّاً من أميركا وفرنسا وبعض الدول الأخرى بإقناع “حزب الله” و”إسرائيل” بتجنّب التصعيد جنوباً وعدم توسيع الحرب لمصلحة جميع دول المنطقة، إلّا أنّ غالبية الدول الأعضاء، بحسب المعلومات، تؤيّد توسيع مهام “اليونيفيل” لكي تتمكّن من تنفيذ مهامها بحريّة.
ولهذا إذا ما استمرّت المعارك الدائرة في الجنوب حتى 30 آب المقبل، فإنّ الأمر قد يؤدّي الى اتخاذ بعض الدول الأعضاء قرارات معيّنة مثل سحب الكتيبة العسكرية لتابعة لها من ضمن قوّات “اليونيفيل”، وذلك حرصاً على سلامة أفرادها، أو أن تُلوّح بذلك للضغط من أجل وقف إطلاق النار عند الجبهة الجنوبية. كما يُخشى بأن تُطالب “إسرائيل” وبعض الدول الحليفة لها بإدراج قرار التمديد لليونيفيل تحت الفصل السابع. غير أنّ اعتماد “الفصل السابع” يتطلّب موافقة الدول العظمى، أي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وهو ليس بالأمر السهل في ظلّ وقوف روسيا والصين الى جانب لبنان ضدّ الدول الأخرى، من خلال استخدام حقّ النقض “الفيتو”. وتقول بأنّ بعض الدول قد تقترح أن يكون التجديد للقوّات الدولية لستة أشهر بدلاً من سنة إضافية تنتهي في 31 آب من العام 2025، وذلك لوضع إطار جديد لعملها في الجنوب، في حال استمرت المعارك خلال هذه الفترة، أو بهدف إنهاء مهامها، واستبدال وجودها بانتشار عناصر الجيش اللبناني بعدد أكبر في المنطقة الجنوبية. علماً بأنّ دول عدّة قد وافقت على تقديم الدعم للجيش اللبناني، لكن يصعب التخلّي عن وجود “اليونيفيل” في جنوب لبنان خلال هذه المدّة الوجيزة.
ومن هنا، سعى هوكشتاين خلال زياراته الأخيرة الى لبنان والمنطقة والتي شملت فرنسا أيضاً، وفق الأوساط الديبلوماسية، الى إنجاز إتفاق ما يُعيد نوعاً من الهدوء الى المنطقة الحدودية، والعودة الى “قواعد الإشتباك” المتفق عليها ضمناً وعدم خرقها من خلال التصعيد أو توسيع الحرب. كذلك على إرساء التوافق على تعديل هذه القواعد بهدف الوصول الى وقف دائم لإطلاق النار عند الجبهة الجنوبية، مع إعطاء بعض الضمانات لكلّ من الطرفين. لكن هذا الإتفاق لم يبصر النور حتى الآن، رغم الحديث عن أنّه “أُنجز”. لهذا فإنّ هذا الشهر سيشهد مقترحات عدّة من قبل الدول الأعضاء، تتفاوت بحسب ما سيحصل عند الجبهة الجنوبية خلال هذه الفترة.
دوللي بشعلاني- الديار