أثبتت وزارة الطاقة والمياه على مدى السنوات المتعاقبة فشلها في “إنارة” لبنان، لا بل فاقمت من حدّة أزمة الكهرباء. فبين أروقة الفساد والهدر والمحاصصة والخسارة الفادحة في المالية العامة، عاش اللبناني في القتامة الإدارية حتى بات مرغماً، تحت رحمة مافيا المولدات. من هنا، تتجه الأنظار نحو دور البلديات في تأمين الطاقة المواطن الذي يدفع “ما فوقه وتحته” لتسديد فواتير خيالية، على الرغم من أن العائق المالي هو رادعها الأول.
“قانونية” دور البلديات
وعن هذا الدور تحدّث إلى “ لبنان 24″ مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه والخبير المحلل في المعهد اللبناني لدراسات السوق غسان بيضون، الذي شدد على أنه لمعرفة ماهية دور البلديات في تأمين الطاقة المتجددة، يجب التعرف إلى الإطار القانوني الذي يعطيها صلاحيات في هذا المجال، والذي يسمح لها بالتعاطي مع القطاع الخاص.
وأشار إلى أن قانون البلديات 118/1977 يقضي بأن أي عمل له طابع المنفعة العامة هو من صالح البلديات، وعلى المجلس البلدي مراقبة سير المرافق العامة الواقعة ضمن البلدية أي المياه والكهرباء والإتصالات والنفايات، ويرفع تقاريره عن هذا الإداء إلى المراجع المختصة.
ومن هذا المنطلق، شدد بيضون على أنه كان يجب على البلديات ومنذ زمن طويل أن تؤكد أن عمل كهرباء لبنان سيء ولا برنامج واضحا للمؤسسة، كما أن القانون يسمح للبلديات بنقل حاجات ومطالب أهالي البلدة لوزير الطاقة والحكومة ومجلس النواب، وقد يكون ذلك مثلاً مطالبتهم بالطاقة الشمسية بسبب عدم قدرتهم على دفع فواتير الكهرباء المرتفعة.
انهياران لليرة
وفي السياق، أكد أن كهرباء لبنان تسببت بانهيارين لليرة اللبنانية، الأول حصل خلال ثمانينيات القرن الماضي، إذ كان مصرف لبنان المركزي يتضمن صندوق دعم المحروقات وانتهى به الأمر إلى التسبب بانهيار الليرة.
أما المرة الثانية فهي الفترة التي تلت العام 2000، أي عقب “نهضة” الكهرباء ومدّ فترة التغذية إلى 20 ساعة في مختلف المناطق وحققت ربحاً في العام الأول بلغ 150 مليون دولار، إلى أن تشكلت هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء وصدر قانون تنظيم الكهرباء، ولكن وزراء الطاقة المتعاقبين أصروا على عدم تعيين الهيئة الناظمة، وظلت كهرباء لبنان منذ الـ2009 تستفيد من مساهمات بمليارات الدولارات سنوياً إلى العام 2019 حين تسببت لانهيار الليرة الكبير ومعه انهيار المصارف، بحسب بيضون.
وشدد على أنه مع انهيارات كافة القطاعات ومعها المالية العامة، ثبت أن كهرباء لبنان كانت ولا تزال علّة العلل مع رفعها ثمن التعرفة ولم تتمكن من تسديد ثمن النفط العراقي ولا تزال تطلب من الدولة أن تدفع عنها.
فوائد تعزيز دور البلديات
واستمر بيضون بتأكيد ضرورة السماح للبلديات بتأمين الطاقة المتجددة بالتعاون مع القطاع الخاص، مشدداً على ان من فوائدها تكوين لا مركزية إنتاج وتوزيع الطاقة المتجددة وهذا التوجه يندرج في إطار تنمية المناطق، وهو الوارد في مقدمة الدستور اللبناني التي تحدثت عن الإنماء المتوازن في كل المناطق.
واعتبر أن المطلوب هو تعاون البلديات مع القطاع الخاص وأصحاب المولدات من خلال تقليصهم وإشراكهم في هذا المشروع، والإستفادة من شبكتهم لإيصال كهرباء الطاقة المتجددة للبيوت ضمن نطاق البلدية الواحدة اتحاد البلديات الذي قد يمتلك أراض شاسعة وقدرات مالية أكبر من خلال مغتربين أو متمولين سواء في الداخل أو الخارج.
وشدد بيضون على انه في هذه الحالة، سينخفض الطلب على كهرباء لبنان وبالتالي ستتمكن المؤسسة من تخصيص جزء من إنتاجها لبيروت الإدارية الكبرى، أي تأمين الإدارات العامة والمؤسسات التجارية والسفارات.
ومن هنا، أكد بيضون أن تعزيز دور البلديات لا يعني إقصاء كهرباء لبنان، قائلاً إنه على العكس يجب عدم بيعها أوتصفيتها بسبب دورها المهم ولا يمكن الإستغناء عنها، إذ أنه خلال النهار يمكن استخدام الطاقة الشمسية، ومع إقفال المؤسسات في بيروت الإدارية الكبرى، يمكن لمؤسسة كهرباء لبنان أن تمدّ سائر المناطق بالطاقة خلال الليل.
وأضاف: “الطاقة المتجددة ستكون بتمويل داخلي وبالتعاون مع القطاع الخاص والبلديات، وستؤمن الكهرباء أقله بـ50% من فاتورة المولّد وكهرباء لبنان”، لافتاً إلى أن الأخيرة وبسبب رفعها رسوم العداد بطريقة مخيفة، لا يمكن الإتكال عليها وتحميل المواطنين عبء فاتورة الكهرباء المضافة إلى استبداد المولدات.
وأشار بيضون إلى أن الدولة في حالة تفكك وتحلل، ووضعها المالي سيء جداً ولا تستطيع في هذا الوضع كسب ثقة المصارف الخارجية ولا الممولين الخارجيين الذين سيفكرون أكثر من مرة قبل الدخول في مجال الطاقة، متسائلين دوماً عمّا إذا كانوا سيستردون استثماراتهم بعد سنوات.
حلّ مشكلة الجباية؟
وأوضح بيضون أن التغطية التي ستؤمنها البلديات في حال السير بهكذا مشروع لا تقلّ عن 8 ساعات، وهو ما وعدت به كهرباء لبنان، ما يبشّر بإمكانية التخلي عن المولدات.
وعمّا إذا كان هذا الأمر يحلّ مشكلة الجباية، شدد على أن هناك فرق بين الفوترة وبين الجباية. فيمكن في الفوترة الخسارة من قيمة الفاتورة بسبب كهرباء تستمد بشكل غير شرعي خارج العدادات في ظل اقتصاد تعيس أدى بالكثيرين إلى التعدي على كهرباء لبنان وسرقة الطاقة.
أما الجباية بحسب بيضون فهي حساب ما يسجّل على العدادات بهدف التحصيل، متحدثاً عن مقدمي الخدمات الذين باشروا بتنفيذ عقود في الـ2012 كان أهم أهدافها وقف الهدر والتعديات من خلال تركيب عدادات ذكية، بالإضافة إلى تعجيل الفوترة والتحصيل، إذ أننا اليوم نحسب الفواتير بعد سنة من الإستهلاك، بل وأصبحنا نحسبها بالدولار وهو ما يمكن أن يمثل مشكلة بسبب عدم وصول هذه الدولارات إلى كهرباء لبنان في حال حصول أي توتر بسعر الصرف، على حد تعبيره.
إذاً، في ظل الوضع الراهن الذي يكبّل البلديات مادياً، يبدو أن الجهات المانحة والمغتربين والمستثمرين هم الحلّ الوحيد لتعزيز مشروع الطاقة، بعيداً من مزاريب كهرباء لبنان . فهل ينطلق قطار الطاقة اللامركزية قريباً؟