يوم أعطت الدولة اللبنانية الحصرية الكاملة لشركة “كازينو لبنان” بإدارة جميع أنواع ألعاب القمار بمفردها على جميع الأراضي اللبنانية دون شريك، كانت تسعى من خلال ذلك إلى تنظيف المدن والقرى اللبنانية من الانتشار المخيف لألعاب الميسر داخل الأحياء الشعبية، وفي منازل عائلات تحوّلت بين ليلة وضحاها إلى أوكار سرّية لتعاطي المقامرة غير الشرعية، مع ما يترتب على ذلك من انتهاك إنساني ومالي، وتدمير ممنهج للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لكثير من الأسر اللبنانية.
لم تكن يومها للتكنولوجيا الحديثة قدرة نقل الكازينو إلى كل بيت، وإلى كل دسكرة وزاوية لا في لبنان فحسب، بل على مساحة المعمورة بشرط وحيد هو وجود “WI-FI”. وبناءً على ذلك لم تتأخر الفوضى اللبنانية من الدخول إلى هذا القطاع الذي يبيض ذهباً، وباتت مواقع القمار “أونلاين” من المواقع الأكثر استخداماً من اللبنانيين. يأتي ذلك، بالرغم من المحاذير المالية والقانونية وانتفاء وجود أيّ ضمانات تحمي حقوق اللاعبين ومكتسباتهم، وعدم وجود مرجعية رسمية لهذه المواقع التي تُعتبر بمنظور القانون اللبناني بسبب غير قانونيتها أعمالاً غير شرعية وجب أن تلاحق من مؤسسات إنفاذ القانون، بتهمتي ممارسة أعمال القمار غير الشرعي من جهة، وتهمة تبييض الأموال من جهة أخرى. فوجهة مليارات السوق السوداء النقدية النهائية مجهولة، وكذلك يبقى مجهولاً كيف تحوَّل هذه الأموال الى الخارج.
جميع الشركات والمؤسسات والمواقع التي تتعاطى القمار “أونلاين” لا تخضع لأي ضوابط قانونية أو مالية أو ضريبية، ويمكن لأي مستثمر فيها إقفال موقعه وخطوط الإنترنت لديه، ليصبح في غضون دقائق خارج المشهد وبعيداً عن تحمّل أي مسؤولية جنائية أو مالية تجاه الدولة. أو يمكن لهؤلاء ببساطة مطلقة التنصّل من حقوق عليهم، تجاه أرباح حققها زبون ما، ووجد المستثمر أنه غير قادر مالياً على تسديدها، أو فلنقل إن الجشع جعله غير مستعد إطلاقاً لدفع ما عليه، تجاه من أولوا مؤسسته الثقة، وقامروا عبرها بأموالهم.
تدخل خدمة “الكازينو الأونلاين”، ضمن الحصرية الممنوحة لكازينو لبنان، وذلك في الملحق التعديلي الأول للعقد الموقع بين شركة “كازينو لبنان” والدولة (2008) والذي أضاف إلى الاستثمار، حصرية “تراخيص لألعاب المراهنات والقمار الأخرى المستحدثة أو التي قد تستحدث نتيجة للتطور العلمي والتكنولوجي، منها المقامرة عبر الإنترنت وتنظيم المراهنات على نتائج المباريات الرياضية، وذلك لتزايد الطلب عليها في الأسواق العالمية”. وفي أواخر عام 2022، أطلقت شركة “كازينو لبنان” منصة “Betarabia” التي يخضع ولوج اللاعبين إليها للشروط المعمول بها في “كازينو لبنان” كافة، إن لجهة العمر (21 سنة وما فوق) أو لجهة الفئات المحظورة (مثل الأسلاك العسكرية، موظفي الإدارة العامة، موظفي المصارف الخ…)، بالإضافة إلى مجموعة من المعلومات والشروط الخاصة بشروط التحقق التي تتطلبها طبيعة خدمة اللعب عبر الإنترنت.
في أول حزيران الماضي، وهرباً من الملاحقة القضائية، تعهّد مشغلو السوق السوداء خصوصاً (الكبار منهم) وقف العمل بالمواقع والتطبيقات غير الشرعية. توازياً ظهر اسمان جديدان على ساحة القمار الأسود، فتقدمت شركة “كازينو لبنان” بدعوى بحقهما بجرم إدارة مواقع غير شرعية وإلحاق أضرار كبيرة بالمواطنين، بالإضافة الى حرمان الخزينة العامة من مداخيل طائلة. هذا الواقع، أكده رئيس مجلس إدارة كازينو لبنان رولان خوري الذي أشار الى أن إدارة الكازينو في تنسيق دائم مع الأجهزة الأمنية والقضاء لملاحقة كل مواقع القمار غير الشرعية، علماً بأنه “يصعب ملاحقتها، إذ إنها تتكاثر بسرعة كالفطر بدليل أنه عندما نكتشف موقعاً ونقفله، يُفتح بسرعة قياسية موقع آخر”. ويلفت خوري الى أن إدارة الكازينو تقدّمت بشكاوى على 3 أشخاص حتى الآن، والقضاء يتحرّك، لكن المفاجئ أن السجلّ القضائي للمدّعى عليهم حافل بمذكرات التوقيف.
ولكن لماذا تستميل مواقع المقامرة غير الشرعية المقامرين أكثر من الكازينو؟
بحسب خوري فإن المواقع غير الشرعية تمنح المقامرين حوافز لا يمكن للكازينو أون لاين أن يلجأ إليها “مثلاً إذا خسر أحد المقامرين 100 دولار تستطيع هذه المواقع ردّ نسبة 30% منها تقريباً، لكونها لا تخضع لأي ضريبة أو رسم، عدا عن أن الكازينو يشترط أن يكون اللاعب بلغ الـ21 من عمره، وصور بطاقة هويته وحملها مرفقة بصورة شخصية على موقع الكازينو الرسمي، فيما المواقع غير الشرعية تجيز المقامرة باسم مستعار، وهذا ما يفضّله بعض الأشخاص لأسباب شتى”.
الى ذلك، وضمن برنامج “اعرف عميلك” (KYC)، تعتمد Betarabia شروط وبيانات طلبات التسجيل واللعب عليها الشروط والمعلومات كافة المعتمدة لدى المواقع والمشغلين الكبار في العالم، ويكشف خوري أن Betarabia ستدخل ضمن أنظمة التحقق المعمول بها، في وقت قريب، نظام “OCR” الخاص بكشف صحة هويات وصوَر الزبائن، ونظام “SEON” المتطور والخاص بمكافحة جرائم الاحتيال وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب. كذلك يدخل في عملية تقييم طلبات الدخول على المنصة التأكد من أي شخص وما إن كان موجوداً على لوائح الأشخاص المحظورين ضمن داتا “كازينو لبنان“.
ولا يحصر خوري منافسي الكازينو لبنان أون لاين بالمواقع غير الشرعية اللبنانية، بل ثمة مواقع أجنبية يلجأ إليها اللبنانيون ككازينو قبرص واليونان وبعض الدول الأفريقية والخليجية، موضحاً أن القمار في دول الخليج يجري حصراً عبر المواقع غير الشرعية.
وبالحديث عن خطورة المقامرة عبر المواقع غير الشرعية يقول خوري: “هذه المواقع تسمح للمراهقين بالمقامرة… وأكثر فإنها تسلفهم الأموال، وإن خسروا تضغط عليهم وتطالبهم بالمبلغ الذي استلفوه. فيما إدارة الكازينو إذا تبيّن أن أحد الممثلين المعتمدين (Agents) الذين يرتبطون مع المشغل الرسمي لمنصّة “Betarabia”، سلفوا أحد المقامرين أموالاً تسحب منه الترخيص مباشرة، ولا تردّ له المبلغ الذي استلفه الزبون”.
ويشير خوري الى أنه “من تاريخ أول عام 2023 لغاية اليوم، سدّد “كازينو لبنان” نحو 15 مليون دولار (هي حصة الدولة تضاف إليها الضرائب عن الكازينو وشركة “Onlive Support Services” المشغلة لمنصّة “Betarabia” والوسطاء). في المقابل، كانت سوق القمار والمراهنات السوداء تجني بين 15 و19 مليون دولار شهرياً في أقل تقدير، أي بين 180 و228 مليون دولار سنوياً. وبذلك تكون السوق السوداء قد حققت منذ عام 2007 إيرادات ناهزت بكثير 3.5 مليارات دولار. وإذا نجح الكازينو في السيطرة على سوق المراهنات الأونلاين كاملة، ووضع حداً للسوق السوداء، يمكن أن يحقق بين 120 و180 مليون دولار سنوياً، فيما ستراوح عائدات الدولة بين 40 و70 مليون دولار سنوياً. هذه العائدات، تمكّن الكازينو من التوسّع والدخول الى أسواق جديدة في دول الجوار بالإضافة الى عدد من الدول العربية، وتالياً مضاعفة العوائد.
“النهار”- سلوى بعلبكي