فيما تهدّد كهرباء لبنان بالعتمة الشاملة والتي بدأت فعلياً منذ يومين، يستمر الكلام السياسي البعيد عن المعالجة التقنية للأمور وتُلقى المسؤولية على مصرف لبنان في محاول للإلتفاف على قرار المصرف المركزي بعدم تمويل الدولة.
فهل بات تسديد ثمن الفيول العراقي اليوم من مسؤولية المصرف أم من مسؤولية الوزارة التي سبق أن أعلنت عن فائض لديها, فأين هو هذا الفائض؟
يستغرب الباحث والخبير الإقتصادي دكتور محمود جباعي، في حديث إلى “ليبانون ديبايت”، أن يتم الحديث عن أن مصرف لبنان له علاقة في كيفية تمويل وزارة الطاقة لدفع مستحقاتها”، لافتا إلى أن “مصرف لبنان ومنذ بداية إستلام الحاكم كان واضحا وصريحا بأنه لن يقوم بتمويل أي شيء له علاقة بالدولة، إلا من خلال مشروع قانون يقدم من الحكومة إلى المجلس النيابي حيث يتم التصويت عليه قبل الإتفاق عليه”.
ويوضح بأن “هذا الأمر لم يحصل فيما يتعلق بملف الكهرباء”. مشيرا إلى أن “المصرف المركزي يتعاطى مع وزارة الطاقة كتعاطيه مع مختلف الوزارات أي ليس له أي علاقة بمصروفها ولا بميزانياتها ولا بالأموال التي تجنيها ولا حتى بالأموال التي تصرفها”.
وبالتالي، يؤكد جباعي بأن “ما لدى أي وزارة من أموال عندما تضعها بخزينة الدولة فإن مصرف لبنان يعطيها المبلغ سواء كان بالليرة أو بالدولار، ولم يحجز لها أي مبلغ تقوم بتحصيله من إيراداتها، وهذا أمر مفروغ منه، وهو يتعاطى مع كافة الوزارات بهذه الطريقة ولكن بالتأكيد أن ذلك يتم بعد الإتفاق مع وزارة المال والتي هي معنية بهذا الموضوع”.
ويشدد على أنه “ليس هناك أي إشكال مع مصرف لبنان، ولكن ما يجري هو محاولة تصويره بأنه يحجز الإيرادات، إلا أنه من المؤكد أنه لا يتدخل بإيرادات الوزارة ولا بنفقاتها، فميزانية وزارة الطاقة هي مستقلة والمصرف المركزي بدوره يتعاطى معها على أن ميزانيتها مستقلة وهو يلبي لها إيراداتها المتواجدة لديه من أجل تسيير نفقاتها، أما أن يدفع مصرف لبنان هو من أموال المصرف أو من أموال الإحتياط الإلزامي الذي يخص المودعين فهذا غير وارد نهائيا، بل هو بحاجة لمشروع قانون يقدم للمجلس النيابي ويتم التصويت عليه لكي يتمكّن من إعطائها من أموال الدولة وليس من أموال المصرف بل من خزانة وزارة المالية”.
ويلفت جباعي النظر إلى أمر أساسي، وهو “موضوع الإتفاق مع العراق وهو موضوع الفيول العراقي، موضحاً أن هذا الفيول من الأساس ليس بالمجان بل هناك كلفة سنوية تصل إلى ما يقارب الـ 700 مليون دولار، أي أننا اليوم نتكلم بمبلغ يصل إلى حوالي المليار و400 مليون، وهذا المبلغ تراكم على اعتبار أن الدولة اللبنانية ستقدم مقابل الفيول خدمات معينة الى الدولة العراقية ، لكن من الواضح أن العراق غير راض عن هذه الخدمات”.
ويضع جباعي “المشكلة عند الحكومة التي لم تقدم المطلوب منها بالإتفاق، عل إعتبار أن هذا الكلام الذي يصدر عن العراقيين هو صحيح، فالمشكلة أنه لم تقدم الخدمات الطبيعية التي من الممكن أن يقبل بها العراق”.
ويركز على أمر هام “أنه لا يوجد في الأساس بموزانة 2024 أي مبلغ ينص على أن يتم دفعه من إيرادات الدولة للنفط العراقي، إذا ذلك غير محسوب بالموازنة”، وفي هذه الحالة يذكر جباعي بأن “المصرف المركزي لا يستطيع تقديم أي مبلغ إلى وزارة الطاقة من إحتياطاته أو من أمواله أو حتى من أموال الدولة إذا لم تطلب منها هي ذلك، وهذا العامل أساسي وضروري جدا”، ويضيف بأنه “لا يوجد أي نص ينص على تسليف وزارة الطاقة مبلغ من أجل دفعه للعراقيين وهذا أيضا بحاجة إلى قرار من الحكومة والمجلس النيابي”.
وبناء على ذلك، يوضح جباعي بأن “التصويب على المصرف المركزي بأنه يؤخر دفع الأموال لوزارة الطاقة هو غير صحيح على الإطلاق”، جازما أن” لا علاقة للمصرف المركزي نهائيا في هذا الأمر، وحل هذا الأمر هو من صلاحيات الحكومة ووزارة الطاقة والمجلس النيابي في حال كان هناك من نية للتسليف ودفع تسليفات أو سلفة خزينة كما كان يحصل في السابق إلا أن هذا الامر غير موجود اليوم لا في الموازنة ولا في مشاريع القوانين”.
كما يستغرب جباعي “تحصيل وزارة الطاقة منذ فترة إيراداتها بالليرة وبالدولار، ودائما كان يدعي وزير الطاقة بأنه يوجد فائض ومؤسسة كهرباء لبنان أيضا تدعي بالفائض وهذا الفائض في حال كان موجودا فليتم إستعماله من أجل تسيير العمل، علما أن عدد ساعات الكهرباء لا تتعدى الـ 4 ساعات بأغلبية المناطق اللبنانية، أي أنه حتى التغطية الكهربائية ليست كافية وكبيرة مقابل ما يصرف من مبالغ طائلة”.
في الإطار هذا، يشير جباعي إلى أن “هذا الملف بحاجة إلى إعادة نظر في كيفية التعاطي مع ملف الكهرباء ككل، فهو ملف باهظ يدفع اللبنانين ثمنه باهظا والأثمان مستمرة منذ عقود ولغاية يومنا هذا، حيث بلغ ما دفعته الدولة للكهرباء حوالي 48 مليار دولار لا بل قاربنا من الخمسين مليار دولار من دون تأمين الكهرباء، يكفي القول أنه في السنوات الأخيرة صرفنا حوالي 25 مليار منذ ما يقارب الـ 11 عام، من دون الإستفادة من أي شيء”.
ويقول، “اليوم ومن دون أي كلام سياسي، وبكلام تقني بحت، معضلة الكهرباء هي كبيرة وأصبح من الملحّ إيجاد حل جذري لها عبر الذهاب إلى bot” و”تريبل بي” وفتح مناقصات وإجراء عروض للكهرباء من أجل التخلص من هذه الأزمة من خلال تخفيف نفقاتنا الكبيرة وتحصيل إيرادات منها, ولكن هذا الأمر لطالما ما زال جامدا هنا الكارثة.
ويرى أن التصويب على المصرف المركزي هو في غير مكانه ومحاولة إستغلال الموضوع سياسيا هو أيضا في غير مكانه وهذا أمر يحاول البعض إستغلاله إعلاميا عبر محاولة الضغط.
ويؤكّد أن حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري لن يرضخ لأي ضغوطات مهما كانت وسيلتزم بالقانون الذي أشار إليه منذ بداية ولايته بأنه لن يقوم بتمويل الدولة بأي مبلغ من المبالغ إذا لم يكن هناك نص واضح وتشريع واضح وقانون واضح ينص أويصوت عليه المجلس النيابي، وغير ذلك لن يدفع منصوري ولا دولار واحد لا من إحتياطي مصرف لبنان ولا من أموال المودعين لا لوزارة الطاقة ولا لوزارة أخرى.