أسبوعان بالتمام والكمال، قضاهما نجل الرئيس رفيق الحريري، رجل الأعمال بهاء الحريري في لبنان؛ زيارةٌ بدأها ببيروت التي أصابته بالخيْبة بعدما رفض عدد كبير من الشخصيّات الوازنة تلبية دعواته للقائه في فندق «فينيسيا». الخيبة نفسها تكرّرت في طرابلس، حين كادت قاعات فندق «ميرامار» تخلو من الحضور.الأيّام الأولى لم تكن «واعدة». ولذلك، كان الحريري كثير الاستماع وقليل الكلام. ولأنه قرّر قبل أن تطأ قدماه بيروت عدم فتح «حنفيّة» المال إلا إذا قرّر العودة نهائياً، تقصّد أن يُخفّف من وعوده الخدماتيّة والإنمائيّة، وأن تكون إجاباته في السياسة عامّة من دون الدّخول في التفاصيل وشياطينها. هكذا، عرف كيف يتفادى الإحراج حينما سُئل عن شقيقه الرئيس سعد الحريري، وعما إذا كانت حركته مدعومة عربياً، وتحديداً سعودياً.
إلا أنّ «الحنكة» سُرعان ما ذهبت أدراج الرياح عندما رأى تقاطر أبناء الأطراف على أبواب أماكن إقامته لرؤية «نجل رفيق الحريري». فهنا، يحبّون الرئيس الراحل بالفطرة من دون تمييز بين الأخ الأكبر والأصغر، وهنا أيضاً تسقط الحسابات السياسيّة التي حالت دون نجاح لقاءات المدن، رغم جهود فريق عمله وتواصلهم المُباشر مع بعض الشخصيّات السياسيّة والاجتماعية لحثها على تلبية الدّعوات. وهنا أيضاً، في الشمال، وتحديداً المنية – الضنيّة وعكّار، نقاط ضعف «المستقبل» بسبب غياب الإنماء والخدمات وتراجع المساعدات إثر الأزمة الماليّة التي ألمّت بسعد الحريري قبل اعتكافه.
لم يكن بهاء الحريري يُريد أكثر من مشهد الحشود التي استقبلته أثناء عبور موكبه بالقرب من الجامع الكبير في المنية، تزامناً مع خروج المصلين من المسجد. مشهد أشعره بأنه سعد الذي كان موكبه يخترق الحشود بصعوبة في كل من المنية والضنية وعكار، كلما زار الشمال.
أسكرت «الحشود» الرجل، فاستغنى عن قلّة الكلام، وأطلق العنان للوعود، ووزع بعض المساعدات العينيّة المستعجلة (مساعدات استشفائية لذوي الاحتياجات الخاصّة)، وقدّم نفسه «المنقذ» لـ«العمق السني»، كما سمّاه، لاعباً على الشعور بـ«الاستضعاف»، وعلى وتر «المشاريع المستدامة وخلق فرص العمل». والأهم أنه على مدى الأيام الأربعة التي أمضاها في فندق «غراسياس» في حلبا (انتقل الى البقاع مساء أمس)، أطلق للسانه العنان، مسترسلاً أمام فاعليات عكار الذين التقاهم في الكشف عن مكنوناته، ولم يتردد في إعلان «الموت السياسي» لشقيقه الذي «يُعاني من وضع صحي دقيق»، قائلاً بالفم الملآن: «الضرب بالميت حرام»، و«أنا الوريث السياسي لوالدي»! وأكد أن أحداً «لا يستطيع إيقافي بعد عودتي إلى ممارسة العمل السياسي»، ليخلص إلى أن «البلد لا يتّسع لكلينا: إما أنا أو سعد». وأضاف: «لقد دمّر سعد إرث والدي بين ليلة وضحاها، وهو غير قادر على الحفاظ على ما تبقّى، ولذلك أنا اليوم هنا الوريث السياسي للحريريّة»، مقارناً بإسهاب «نكسات» شقيقه الماديّة، ومنها «سعودي أوجيه»، التي «لا نعرف كيف انهارت»، وبين نجاحاته في إدارة شركاته، وتمكنه من رفع عدد موظفيه «من 300 إلى 16 ألف موظف»، معتبراً أنّ «النجاح الاقتصادي مقدمة للنجاح السياسي». وبرّر تراجعه سابقاً عن خوض العمل السياسي بـ«حالة الغضب والفوضى التي كانت قائمة». كما تطرّق الى الحراك الشعبي في لبنان وبعض الدّول العربية، فرأى أنّ «الثورة في لبنان أنتجت نواباً فاشلين، فيما الربيع العربي أنتج تطرفاً»، وهو ما أثار انزعاج شخصيات تدور في فلك التيّارات الإسلامية عمدت الى مقاطعته أكثر من مرة.
وأكد عدد ممن حضروا اللقاءات الشمالية أنهم شعروا بالإحباط جراء «شخصية الرجل الجالس في آخر القاعة بطباعٍ جافة»، وخصوصاً «أننا لم نلمس أيّة جدّية في تقديم الوعود لتلبية مطالبنا»، وردّد بعضهم على مسامعه: «سبق لنا أن رفعنا هذه المطالب، وضاعت في أدراج مكاتبك في بيروت». كما خلّفت مواقفه عن شقيقه انزعاحاً كبيراً.