لم يُغلق ملف مكتب السفريات، الذي أقفلت وزارة السياحة أحد أبوابه منذ أيام قليلة بالشمع الأحمر. فالملف لا يزال مفتوحاً على تزايد الشكاوى من ضحايا جُدد تعرّضوا لعملية نصب واحتيال من travel pass holidays.
أغلقت وزارة السياحة أحد فروع مكتب السفريات travel pass holidays في سن الفيل، بعد ورود شكاوى عديدة بحقه أمام الوزارة ونقابة مكاتب السياحة والسفر، تؤكد احتياله على مسافرين، وتقاضيه أموالاً مقابل حجوزات وهمية. ولكن حسب المعلومات، فإن إغلاق أحد مكاتب الشركة بالشمع الأحمر لم يمنعها من متابعة عملها، وتلقي حجوزات “أونلاين”. وهو ما اختبرته “المدن” من خلال التواصل مع الشركة والاستحصال على عروض سفر إلى مصر بعد إغلاق المكتب بالشمع الأحمر. فهل ستلاحق الوزارة أصحاب المكتب ليكونوا رادعاً لباقي المكاتب السياحية؟ وما علاقة عمليات النصب المستجدة بتلك التي حصلت عام 2019 ووقع ضحيّتها مئات العائلات اللبنانية؟
ضحايا بالعشرات
بدأت تتكشّف عملية احتيال شركة السفريات travel pass holidays بعد رفع منشور من إحدى الضحايا، وهي المواطنة تانيا وهبة كامل، على صفحتها على فيسبوك، عرضت فيه تجربتها وكيفية تعرضها للنصب والاحتيال. وتزامن منشورها مع تقدمها بشكوى رسمية أمام وزارة السياحة بحق المكتب المذكور.
وأوضحت المواطنة الضحية في حديث إلى “المدن” بأن مكتب السفريات تقاضى منها كافة تكاليف رحلة السفر إلى انطاليا وقيمتها نحو 4500 دولار قبل شهرين من موعد السفر، على أساس أن باقة السفر كاملة تتضمن حجز غرفتين لخمس أشخاص (بينهم 3 أطفال) في فندق 5 نجوم على مدى 6 أيام وتذاكر السفر وخدمة النقل بين المطار والفندق.
وعند وصول عائلة تانيا إلى الفندق تبيّن أن مكتب السفريات في بيروت لم يحجز لهم الغرفتين. وبعد تواصل مستمر ومفاوضات واختلاق ذرائع من قبل مكتب السفريات، توصل الطرفان إلى حجز غرفة واحدة ولم يسدّد من تكلفتها سوى 10 في المئة فقط على عدة دفعات، ما خلق إرباكاً كبيراً لدى العائلة وصعوبة في تأمين باقي المبلغ اللازم لتغطية تكلفة الفندق.
وفي طريق العودة تبيّن أنه لا يوجد حجز للعائلة على متن الطائرة. وهنا تؤكد تانيا بأن المكتب أرسل لهم قبل الرحلة صوراً عن تذاكر السفر مرفقة بختم شركة الطيران SunExpress، ليتبيّن لاحقاً أن بطاقات السفر مزوّرة وكذلك وصولات الفندق.
ضحية أخرى أ.ف. قام بحجز رحلة إلى انطاليا التركية لعائلته وأنسبائه احتفالاً بعيد الأضحى، قام بحجز الفندق عبر موقع Booking ثم طلب من مكتب travel pass holidays في صيدا حجز تذاكر الطيران، فتمنى عليه مكتب السفريات بأن يلغي حجز الفندق عبر بوكينغ على أن يعيد له حجز الفندق نفسه وبالسعر عينه تقريباً وذلك خدمة للمكتب، فوافق أ.ف. وحجز حزمة سفر كاملة Package، حينها انتقل الحديث إلى عميل المكتب واسمه يوسف.
وإذ يؤكد المواطن الضحية أ.ف. في حديثه إلى “المدن” سداده تكاليف الرحلة كاملة وقيمتها 8000 دولار، وتلقيه من مكتب السفريات travel pass holidays وصولات السفر وحجز الفندق وغير ذلك، تلقّى اتصالاً من مكتب السفريات قبل موعد الرحلة بيومين، تم إبلاغه عن وجود مشاكل تحول دون حجزهم في الفندق الذي اختاره. تواجه الطرفان وبدأت رحلة التوتر والقلق وإحراج الضحية أمام عائلته وأنسبائه. فتوصل إلى اتفاق بحجز فندق آخر في المنطقة نفسها، وحين أصر على المكتب إرسال رابط الفندق الجديد، تفاجأ بأن ما تم حجزه سابقاً وسداد تكلفته 5 نجوم، فيما الفندق البديل نجمتان فقط وأشبه بغرف غير صالحة للسكن. رفض الزبون العرض وقرر إلغاء الرحلة كلّياً واستعادة امواله من الشركة وهو ما تم رفضه كلّياً، وأصرت الشركة على تقديم عرض سفر آخر.
فكان العرض الثاني إلى شرم الشيخ في مصر بدلاً من انطاليا التركية، وبالنظر إلى رفض المكتب إعادة الأموال قرر أ.ف. قبول العرض وانطلقت العائلة إلى شرم الشيخ. لكن في مطار بيروت تفاجأ الركاب بأن عدداً منهم لم تتوفر له مقاعد على متن الطائرة SunExpress المحجوزة بالكامل لصالح مكتب السفريات نفسه travel pass holidays.
وحين وصلت عائلة أ.ف. إلى شرم الشيخ تبيّن ان الفندق غير محجوز. وبالتالي، عليهم سداد التكلفة مباشرة. انتظرت العائلة 5 ساعات في الفندق محاولين الإتصال بشركة السفريات في صيدا من دون جدوى، إلى أن وصل شخص من قبلهم وقال للضحية إنه سيحوّل جزءاً من تكلفة الفندق على أن يسدد أ.ف. باقي المبلغ. وتعهّد المكتب بردّ المال في بيروت. وهو ما لم يحصل حتى اليوم. فتوّجه أ.ف. بشكوى إلى وزارة السياحة.
طبيبان وعائلاتهما أيضاً تعرّضوا للخداع وتم سلبهم آلاف الدولارات بحجوزات وهمية. والسيدة غ. وسواها العشرات من الضحايا. قام الضحايا بتشكيل مجموعة للتنسيق فيما بينهم لكيفية ملاحقة المكتب، الذي مارس عليهم النصب والاحتيال. تقدّموا بشكوى لدى وزارة السياحة ويتّجهون غداً لتوكيل أحد المحامين للتقدّم بدعوى أمام القضاء بحق المكتب والقيّمين عليه.
الوزارة والنقابة عجز وتجاهل
راسلت نقابة أصحاب مكاتب السياحة والسفر وزارة السياحة، وأعلمتها في كتاب عن ورود العديد من الشكاوى بحق أحد المكاتب، وهو ليس عضواً في النقابة. وأعلمت الوزارة بأن المكتب قام بحجوزات بعضها وهمي والبعض الآخر منقوص. وبعد ورود شكاوى من بعض الضحايا تحرّكت الجهات الرقابية في وزارة السياحة وأغلقت مكتب السفريات travel pass holidays الكائن في سن الفيل بالشمع الاحمر.
لكن المفارقة أن المكتب المذكور استمر بتقديم العروض وتلقي طلبات السفر عبر صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك وواتساب). وقد تواصلت “المدن” مع المكتب من خلال الرقم الموجود على صفحة المكتب على فايسبوك. ولاقت تجاوباً منه وتم تقديم عروض سفر إلى مصر.
وحين سُئل المتحدث باسم الشركة (واسمه يوسف) عن صحة خبر إغلاق مكاتب travel pass holidays بالشمع الأحمر، قال باستخفاف بالغ “إن وزارة السياحة أغلقت أحد مكاتبهم بالشمع الأحمر إثر شكوى من زبون سيتم التحقق منها وتسويتها، ليتم بعد يومين أو ثلاثة إعادة فتح المكتب”. وكان لافتاً تأكيد الموظف موقف الشركة بأنه يمكنها الاستمرار بالعمل أون لاين. إذ لم يصدر بحقها قرار وقف أعمالها “وبالتالي، نحن مستمرون بعملنا كما العادة بانتظار إعادة فتح مكاتبنا عاجلاً ام آجلاً”.
استخفاف الشركة بقرار وزارة السياحة استفزّ الوزير وليد نصار الذي أكد بدوره لـ”المدن” بأن قرار إغلاق الشركة بالشمع الأحمر هو قرار نهائي لا رجوع عنه. والممارسات الإحتيالية التي قامت بها الشركة لن تمر مرور الكرام. وأكد وزير السياحة بان القيّمين على شركة travel pass holidays أحيلوا إلى الأجهزة الأمنية المختصة وسيتم اتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة بحقّهم.
وجاء موقف الوزير متساهلاً إلى حد الاستفزاز حين أُبلغ بان موظفي الشركة مستمرون بممارسة مهامهم كالمعتاد من منازلهم. ما يفتح الباب على تكرار العمليات الاحتيالية مع زبائن جدد. إذ قال نصّار إن على المواطنين التنبّه لمخاطر الحجز عبر هذه الشركة. وعند سؤاله عن كيفية إعلام المواطنين بتلك المخاطر وضرورة تنبيههم من التعامل مع الشركة، قال نصار نحن كوزارة ليست مهمتنا إصدار بيان وإعلام المواطنين، بل نحن قمنا بعملنا وأغلقناها بالشمع الأحمر، وقمنا بتسريب الخبر إلى الإعلام، وعلى الأخير والمتضررين تنبيه الناس وإعلامهم.
يعتمد الوزير على تسريب الخبر لإحدى وسائل الإعلام كإحدى وسائل حمالية الناس من النصب والإحتيال، مع رفضه إصدار بيان رسمي عن الوزارة ينبّه فيه المواطنين من التعامل مع الشركة المذكورة، وعدم تطرقه إلى إمكان تجريد الشركة المذكورة من ترخيصها الممنوح لها خلافاً للأصول.
وختم الوزير “ختمنا المكتب بالشمع الاحمر، وأحلناهم إلى التحقيق. وفي حال استمرارهم بالعمل أون لاين فليس سهلاً متابعتهم. إذ هناك احتمال أن يعملوا من خارج البلد وليست واجبات الوزارة التسويق لإغلاقه بالشمع الاحمر، إنما هي مهمة الاعلام والمتضررين”. علماً أن رقم الهاتف الذي تتواصل من خلاله الشركة مع الزبائن هو رقم لبناني مرفق مع صفحاتها على مواقع التواصل.
عمليات احتيال مستمرة منذ سنوات
لا تقتصر عمليات الاحتيال والنصب على مكتب السفريات travel pass holidays. فهناك مئات المكاتب غير المرخّصة، وهو ما يفتح الباب على جدّية وزارة السياحة في ضبط قطاع السياحة والسفر. ويستغرب مصدر من نقابة مكاتب السياحة والسفر في حديث لـ”المدن” الكلام عن ضبط القطاع، في حين تتم محاكمة أحد أصحاب المكاتب سابقاً بتهمة النصب والاحتيال ثم يُمنح ترخيص جديد لمكتب سفريات.
وهنا نتحدّث عن صاحب شركة السياحة والسفر نيو بلازا تورز New plaza tours فواز فواز الذي ضُبط عام 2019 بعملية نصب واحتيال متسلسلة راح ضحيّتها مئات العائلات اللبنانية، وحقّق منها فواز ملايين الدولارات من مواطنين ووكالات سياحة وسفر وشركة طيران الشرق الأوسط MEA وكذلك وزارة المال، أي الدولة اللبنانية. وقد ترافقت قضيته عام 2019 مع قضية شقيقته التي مارست الجريمة نفسها بحق مواطنين عبر مكتب سفيرات تعود ملكته لها.
بعد سنوات قليلة على قضية فواز فواز وشقيقته، حاز فواز على ترخيص جديد باسم أحد أقاربه وأسّس شركة travel pass holidays وسلّم إدارة المكتب لشخص يدعى ي.ع. واستأنف عمليات النصب والاحتيال على الزبائن ووكالات السفر، ما يستدعي ملاحقة أمنية للقيّمين على المكتب وتجريده من رخصته، ومنع العاملين لديه من ممارسة اعمالهم في مجال السياحة والسفر والبت بقضية الاحتيال على الزبائن.
عزة الحاج حسن – المدن