يمتاز العنب، تلك الثمرة المستحبّة التي تسحر الأذواق بلذتها وتنعش الروح بنكهتها، بتنوع أجناسه وألوانه وأصنافه التي تزرع في مختلف أنحاء العالم. لذلك يعتبر من أقدم الفواكه المزروعة، حيث يرجع تاريخ شتله إلى آلاف السنين، مما يجعله جزءاً لا يتجزأ من التراث الزراعي والثقافي للعديد من الحضارات.
أما بالنسبة الى كلمة “دوالي العنب” أو “العريش”، فهي تعود إلى الطريقة التقليدية لغرس وتربية هذه الشجرة. كما يُستخدم مصطلح “دوالي” في اللغة العربية للإشارة إلى الكرمة التي تمتد وتتعرض لتعريش، أي دعم يُمكنها من التسلق والانتشار. أما “العريش” فهو ذلك البناء الذي يُشيد من أجل دعم الكرمة، ويُعدّ رمزا للمزارع التقليدية والحدائق المنزلية، حيث تتشابك الكروم مع بعضها مشكلةً ظلالاً وارفة وثمار شهية.
أقوى مضاد أكسدة!
أوضح اختصاصي التغذية طه مريود لـ “الديار” ان العنب “يتمتع بفوائد غذائية وصحية عديدة، تجعله من الأطعمة المهمة في النظام الغذائي، لاحتوائه على فيتامينات مثل فيتامين(C) الذي يلعب دورا مهما في تقوية الجهاز المناعي وزيادة مقاومة الجسم للعدوى، وفيتامين(K). بالإضافة إلى المعادن مثل البوتاسيوم والمغنيسيوم”، مؤكدا ان “هذه العناصر الغذائية ضرورية لصحة الجسم وتعزيز حصانته”.
وقال “العنب مُترف بمضادات الأكسدة مثل “الفلافونويدات” و “الريسفيراترول”، وهذه المركبات تساهم في حماية الخلايا من الأضرار الناتجة من الجذور الحرة، مما يقلل من خطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل الأمراض السرطانية. كما تعمل الألياف والمركبات النباتية الموجودة في هذه الفاكهة ، على حماية القلب عن طريق خفض مستويات الكولسترول الضار، وضبط ضغط الدم وتحسين حركة الأمعاء، وتسهيل عملية الهضم مما يقلل من مشكلات الإمساك. لكن النوع الأحمر بصفة خاصة غني بمركب “الريسفيراترول”، الذي يُعتبر مفيدا لسلامة الأوعية الدموية، من أبرز مهامه زيادة تدفق الدم إلى الدماغ، مما يؤدي الى وقاية خلاياه من التلف، وينشط الذاكرة ويوطد القدرة على التركيز. كما تمتلك هذه الثمرة مضادات أكسدة كـ “اللوتين” و”الزياكسانثين”، التي تساهم في صيانة العيون من الأمراض المرتبطة بالتقدم في العمر مثل التنكس البقعي”.
منافع جبّارة!
وأردف “يدخل العنب في إنتاج مجموعة متنوعة من المواد الغذائية والتجميلية، نظرا لفوائده الصحية المتعددة، كصنع العصير وهو منتج شائع يتم تحضيره من عصارة العنب الطازج، ويمكن تناوله كمشروب منعش أو اعتماده كقاعدة في إعداد العصائر الأخرى والمشروبات المختلطة. بالإضافة الى تجهيز الزبيب (العنب المجفف) الذي يُعد وجبة خفيفة وكمكون رئيسي في العديد من الوصفات، مثل الخبز والكعك والسلطات والأطباق الرئيسية. ولا يجب ان ننسى مربى العنب الذي يُطهى مع السكر حتى يصبح الخليط سميكا “معقود العنب”، ويمكن استعماله كحشوة للحلويات أو كتكملة للفطور”.
وتابع “الى جانب ذلك، يمكن اعداد الهلام (Jelly) ويُصنع بنفس طريقة المربى، لكنه يُصفّى لإزالة القشور والبذور، مما يجعله ناعما وخفيفا. كما يُستخرج الخل من عصير العنب عبر عملية التخمير، ويمكن اضافته الى الطهي والتتبيلات وللحفاظ على الأطعمة. اما دبس العنب فهو خليط سميك ومركز يُصنع من سائل العنب المغلي، ويُستخدم كمُحلٍ طبيعي في الحلويات والأطعمة المختلفة”.
الجانب التجميلي
واشار الى “ان العنب يُعد مصدرا متعدد الاستخدامات، لذا يمكن الاستفادة منه في الكثير من المنتجات الغذائية والمستحضرات التجميلية، مما يجعله فاكهة ذات قيمة عالية في مختلف الصناعات. فعلى سبيل المثال، نستطيع استخراج الزيت من بذوره ويُعتبر خفيفا وغنيا بمضادات الأكسدة والأحماض الدهنية الأساسية، ويستخدم لترطيب البشرة والجسم، وتقوية الشعر، وتحسين مرونة الجلد بفضل خصائصه المغذية. كما تدخل مستخلصاته في العديد من كريمات الوجه والأمصال والمرطبات وأقنعة الوجه، نظرا لفوائدها المضادة للشيخوخة والمغذية للطبقات الخلوية الخارجية (اللحاء). كما يُستعمل مسحوقه أو أجزاء منه في صنع مقشرات طبيعية للأدمة تساعد في إزالة الخلايا الميتة وتجميل وإصلاح ملمس البشرة”.
النبيذ اللبناني
من جانبه، اعتبر السيد وليد وهو صاحب مخمرة صغيرة، و “يضمن” عشرات بساتين العنب في منطقة زحلة، “ان النبيذ اللبناني له تاريخ طويل لارتباطه بالثقافة والتقاليد اللبنانية، وتعود هذه الحرفة إلى العصور القديمة. وهناك اجماع عالمي على أن اللبنانيين كانوا من أوائل من صنعوا النبيذ في العالم. اما المناطق الرئيسية لنمو هذه الفاكهة وعمل النبيذ في لبنان، فتشمل منطقة تعنايل، جبل لبنان، وزحلة – الكسارة”.
وقال لـ “الديار” “تصنع عملية النبيذ من خلال الخطوات الأساسية التالية:
1- القطاف: يُجمع العنب في الوقت المثالي من نضجه للحصول على أفضل جودة.
2- الفرز: يُبسط العنب ويُضغط لاستخراج العصير.
3- التخمير: يُخمر العصير في خزانات أو براميل، حيث تُحول الخمائر السكريات إلى كحول.
4- التخبئة: يُخزن النبيذ في براميل خشبية أو خزانات حديدية لتحسين وتطوير نكهته، وذلك إذا تم في بيئة باردة نسبيا.
5- التعبئة: يُحفظ النبيذ في زجاجات ويُعطى الوقت ليصل إلى النضج الكامل”.
اضاف ” يشتهر لبنان بانتاج هذه الانواع:
1- النبيذ الأحمر: يُصنع عادةً من العنب الأسود، الذي يخمّر مع قشرته ويتميز بطعمه المركز والقوي.
2- الأبيض: يُصنع من أصناف مثل “شاردونيه” و”سوفينون بلان”، حيث يكون عادةً خفيفاً ومنعشاً.
3- الوردي: يُنتج من خلط العنب الأحمر والأبيض، ويكون غالباً خفيفاً ومناسباً للأطباق المتنوعة، وهذا الصنف خيار هدايا رائع بفضل عبواته الجذابة.
4- الحلو: ويسميه بعض الشريبة بـ “شراب السيدات”، ولا تتجاوز مدة تخميره 40 يوماً لدى البعض دون أن يدخل في مرحلة “التخمير الهوائي”، وهو ناتج من التخمر الكحولي الجزئي للعنب الطازج ويحتوي على 45 غرام سكر بالليتر كحد أدني.
التصدير
من جانبه أكد مصدر في وزارة الصناعة لـ “الديار” ان “النبيذ اللبناني يتمتع بسمعة عالية في الأسواق الدولية، حيث يتم تصديره إلى العديد من الدول حول العالم، بما في ذلك أوروبا وأميركا الشمالية والخليج العربي، لان جودته وميزاته الفريدة تجعله مطلوباً في الأسواق العالمية، حيث يُقدّر لمذاقه الاستثنائي وتقنيات صنعه التقليدية”.
لماذا يعد النبيذ المحلي الأكثر طلباً؟ يجيب المصدر “لأنه يقدم تشكيلة واسعة ومختلفة من النكهات والأنواع النادرة، بفضل اختلاف أصناف العنب وظروف الزراعة المناسبة في لبنان، كما تعكس تقنيات الإنتاج التقليدية والممارسات الزراعية الدقيقة نوعية عالية في النبيذ الوطني. وبناء على ذلك تلتصق هذه السلعة بتراث طويل من صناعة النبيذ، مما يضيف قيمة ثقافية وتجريبية للمنتج”.
ندى عبد الرزاق – الديار