تستمر معاناة اللبنانيين مع الحلول الترقيعية للكهرباء، فحلّوا مكان الدولة وكانوا أسرع منها بكثير باللجوء إلى الطاقة البديلة، ليرتفع إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية إلى ما يُقارب 1500 ميغاواط.
في المقابل، كان لبنان يفوّت الفرصة تلو الأخرى، وكان آخرها العرض القطري لتزويده بمحطة تعمل على الطاقة الشمسية لإنتاج 100 ميغاواط. إضافة إلى تجاهل عرض مماثل من قطر منذ ما يُقارب السنة، لبناء ثلاث محطات وليس محطة واحدة وحسب. وقبلها تعطيل عرض الصندوق الكويتي، ومن بعده عرض شركة “سيمنس” وكذلك العرض الصيني للغرض عينه.
يستجدي لبنان في كل مرة سلفة من هنا ودعماً من هناك، كما حصل في الأيام الأخيرة الماضية، من أجل 4 ساعات كهرباء يومياً، في حين بإمكاننا الاستثمار بالطاقة البديلة لسدّ حاجاتنا، ليس فقط من خلال الطاقة الشمسية، إنما من الهواء والأنهر وحتى النفايات.
يأسف الباحث الإقتصادي وفي شؤون الطاقة العميد المتقاعد غازي محمود لهذا الواقع، مذكّراً بأن تطوير قطاع الكهرباء تزامن مع إهمال المعامل الكهرومائية إن لجهة صيانتها أو تطويرها، على الرغم من أنها كانت توفّر 70 في المئة من حاجة لبنان حتى العام 1976. وظلت مشاريع التطوير عاجزة عن تحقيق الهدف منها، على غرار معملي عرمان والزهراني المجهزين للتشغيل على الغاز الطبيعي الذي اقتصر استخدامه على أشهر معدودة خلال العام 2009.
ويشير محمود، في حديث لموقع mtv، إلى أن “التعثر طاول محاولات إنتاج الطاقة الكهربائية من حركة الرياح، نتيجة المماطلة في تعديل القانون 462/2002 ومن ثم تعذّر الحصول على التمويل الخارجي بسبب الأزمة الحالية. وأنهى هذا التعديل احتكار مؤسسة كهرباء لبنان للطاقة الكهربائية، وأعطى الحق لمجلس الوزراء بمنح التراخيص بصورة موقتة لمدة سنتين. وقد بقيت القوانين التي تنظم قطاع الطاقة حبراً على ورق، جراء رفض وزراء الطاقة المتعاقبين التقيّد بأحكام قانون تنظيم قطاع الكهرباء لجهة تشكيل الهيئة الناظمة”.
ويعتبر محمود أن “العثرات والعقبات التي اعترضت وتعترض تطوير قطاع الطاقة الكهربائية، تتطلب خطة متكاملة تتبناها الحكومة. ولا بد للخطة العتيدة من أن ترتكز على المقدرات الوطنية لا سيما منها مياه الأنهر والبحر، حركة الرياح وأشعة الشمس، بالإضافة الى المعامل العاملة حالياً المائية منها والحرارية وحتى المولدات الخاصة. ولا بد أن تشمل الخطة إنتاج الطاقة الكهربائية من معالجة النفايات الصلبة، الأمر الذي يُساهم في حل أزمة النفايات وينتج الكهرباء في الوقت عينه”.
وأما الخطوات الأساسية الواجب اتخاذها، فيمكن إيجازها، وفق محمود، بما يلي:
-منع التعديات على خطوط النقل والتوزيع وسرقة الكهرباء.
-صيانة المعامل الكهرومائية والعمل على تطويرها وإقامة معامل كهرومائية جديدة.
-تحفيز البلديات وأصحاب المولدات الخاصة على المساهمة في إقامة محطات طاقة شمسية لإنتاج الكهرباء.
-إعادة النظر بسعر الكيلوواط المُنتج من الطاقة الشمسية والذي تشتريه مؤسسة كهرباء لبنان من المنتجين الأفراد لتحفيزهم على انتاج أكبر كمية من الكهرباء.
-معالجة المطامر الحالية للاستفادة من انبعاثات غاز الميتان في توليد الكهرباء على غرار مطمر الناعمة.
-إقامة معامل لمعالجة النفايات الصلبة باستخدام تقنيات تسمح بإنتاج الطاقة الكهربائية والتخلص من النفايات في الوقت عينه.
-إعطاء الضمانات والتسهيلات الممكنة لمشاريع الطاقة الهوائية بما يُساعد على تنويع مصادر الكهرباء واستدامة التغذية.
-تأمين الغاز الطبيعي لتشغيل معملي عرمان والزهراني بما يُساهم في تخفيض كلفة الإنتاج ويخفف الأعباء عن كاهل المواطنين.
-تسريع إصدار فواتير مؤسسة كهرباء لبنان ما يسمح للمستهلك بمراقبة وترشيد استهلاكه.
تشكل هذه الرؤى العلمية بارقة أمل قادرة على نقل لبنان إلى مكان آخر يختلف تماماً عن الوضع المزري الذي نعيشه اليوم، خصوصاً أن تطبيقها لا يحتاج إلا إلى القرار والإرادة السياسية بالعمل وتوفير البيئة المناسبة لجذب الاستثمارات في مجال الطاقة.
ففيما يتجّه العالم إلى الطاقة البديلة بشكل متسارع، بات لزاماً أن نسأل عن موقع لبنان من ثورة الطاقة الجديدة.