“ليبانون ديبايت”- محمد المدني
آخر ما كان يتوقعه محازبو “التيار الوطني الحر” هو أن يوزَّع عليهم ما يشبه الإستفتاء “المُعلَّب والمُوجَّه” حول ما إذا كان “الخروج عن قرار القيادة تمرّد ومخالفة للنظام”. هذا الإستفتاء، الذي ظهر فجأة دون سابق إعلان أو علم، لا يعكس سوى حقيقةً واحدة هي أن “التيار” بحالة يرثى لها، وقيادته لا ترى في الأفق سوى الخوف والقلق.
هي ليست المرة الأولى التي يخرج فيها رئيس “التيار” جبران باسيل عن الأصول الحزبية والسياسية، وقد اعتاد أن يتناول شؤوناً حزبية داخلية في خطاباته العامة، يوجّه فيها رسائله الداخلية على مسمع من الجميع، ظنّاً بذلك أنه يستعرض قوته وهيبته أمام الرأي العام، فيما هو بالعكس يؤذي حزبه ويصدّر الخلافات الداخلية إلى العموم، ويحوّلها مادة سجالية للتداول في كل المحافل الإجتماعية والسياسية والإعلامية.
لكن الإستفتاءات الأخيرة التي فاجأ بها الجميع، من حزبيين ومناصرين قبل عامّة الناس، تقصّد توزيعها رسمياً في الإعلام ممّا يدلّ على نواياه المبطّنة من خلال هذه الإستطلاعات المفبركة.
مساء الثلاثاء الماضي، جمع باسيل فريقه اللصيق للبحث في كيفية متابعة مسار المواجهة بينه وبين النواب الذين يريد التخلّص منهم، بعدما تعثّرت خطته الأولى جرّاء الإعتراضات الكبيرة والإمتعاض الكبير في الرأي العام الذي رافق تسريب خبر فصل أحدهم، وأفضت مداولات الإجتماع إلى الذهاب إلى النهاية بخطة إقصاء النواب تباعاً والتمهيد بالإعلان عن استطلاعات داخل “التيار” مؤيدة لباسيل، تمهّد حسم القرار.
تصعيد باسيل هذا، يضرب المساعي التوفيقية التي كانت قائمة لحلّ الخلافات الداخلية، ويؤكّد تصميمه على التعاطي مع “التيار” كشركة تجارية ورثها عن عمّه الرئيس ميشال عون ويعتبرها ملكاً حصرياً له.
لكن هذه المرة لم تسلم الجرّة مع باسيل، فقد خرجت من رحم “التيار” أصوات معارضة لما سمي استفتاء، وقد ضّجت وسائل التواصل ومجموعات “التيار” بالتعليقات الممتعضة والتي باتت ترى أن “البرتقالي” يعيش مرحلة خطرة غير مسبوقة منذ تأسيسه، كما أن الأكثرية الساحقة من الحزبيين لم تشارك في الإستفتاء المعروفة نتيجته سلفاً.
وبما أن لا دخان من دون نار، يبدو أن هذا الإستفتاء يخفي خلفه قرارات ستصدرها قيادة “التيار” قريباً، وهي تريد استعماله غطاءً لهذه القرارات التي لم تعد خفيّة أو سرية، وهي فصل أحد أبرز نواب “التيار” وهو النائب آلان عون، وربما نواباً آخرين على غرار عون لهم وزنهم السياسي والنيابي والشعبي.
بات واضحاً أن باسيل يأخذ “التيار” إلى مرحلة جديدة، وهي مرحلة القضاء على آخر ما تبقى من عونيين، ليكتفي فقط بالباسيليين.