النهار”- محمود فقيه
فيما بات لبنان إحدى نقاط التلوث على حوض البحر الأبيض المتوسط، كان هناك مواطنون في الماضي يخشون عليه وعلى الكوكب، بل على سرّاء المجرّة من مخلفات الإنسان الملوثة.
تمتع اللبنانيون في ستينيات القرن الماضي بترف أفسح لهم المجال للتفكير في أمور خارج نطاق الهموم المعيشية. عام 1963 نجح لبنان في إطلاق صاروخ فضائي اقترب من ارتفاع الأقمار الاصطناعية ضمن المدار الأرضي المنخفض. يبدو أن اللبنانيين كانوا يشعرون بأنهم أعضاء في نادي غزاة الفضاء آنذاك وأنظارهم نحو السماء وأحداثها. لذا لم تستفزهم رحلة يوري غاغارين إلى الفضاء الخارجي في 12 نيسان 1961، بل شكلت رحلة أبولو 11 في 21 تموز 1969 يوم داس نيل أرمسترونغ سطح القمر، مصدر قلق لبعض اللبنانيين.
وفي خانة “المقسم 19” المخصصة لأسئلة القراء آنذاك، وجّه بديع العريضي عبر جريدة “النهار” سؤالاً للعلامة الشيخ عبدالله العلايلي عن جواز التوسل بالقمر لمعرفة أوقات الصيام والإفطار بعدما وطئ الإنسان القمر، وما إذا كان نجّسه أم لا!
لم يقتصر الأمر على العريضي. يورد الأديب سلام الراسي في كتابه
“في الزوايا خبايا” أن مختار بلدة صغبين البقاعية خليل فاضل، قدم دعوى لدى الحاكم المنفرد في البقاع الغربي على الحكومة الأميركية، وطالب بتغريم قيمته مليار دولار تحسباً لما ينتج من أضرار بعد نجاحهم في الوصول إلى القمر.
وخشي فاضل أن تؤدي هذه الخطوة إلى التأثير على مجرى الطبيعة وإحداث خلل في ضوء القمر نتيجة ما جلبه رواد الفضاء من مواد وما تركوه هناك. إلا أن المجلس البلدي تنصل من دعوى المختار وقدم اعتذاراً للسفير الأميركي لدى بيروت آنذاك باعتبار دعوى المختار شخصية.
لعلّ المختار ما كان يعرف بوجود لجنة الأمم المتحدة لاستخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية (COPUOS) والتي يمكنها تسلّم شكواه والنظر فيها.
ورغم الاستخفاف في دعواه حينها، تم إثبات هواجسه لاحقاً، بحيث أن الأنشطة الفضائية، مثل إطلاق الصواريخ وإنشاء المحطات الفضائية، لها آثار بيئية سلبية على الأرض وفي الفضاء الخارجي، مثل التلوث الفضائي. كذلك يمكن اعتبار النشاطات العسكرية في الفضاء تهديدًا للأمن الدولي، بما يتعارض مع مبدأ الاستخدام السلمي للفضاء.
لهذا السبب أبرمت مجموعة من الدول معاهدة الفضاء الخارجي عام 1967 والتي تحكم نشاطات الدول في استكشاف الفضاء الخارجي، بما في ذلك القمر والأجرام السماوية الأخرى، على أن تكون لأغراض سلمية ولمصلحة البشرية جمعاء.
خسر لبنان منذ تلك الحادثة، مساحات خضراء بسبب اعتداء الإنسان عليها، ومناطق وشواطئ باتت موسومة بالتلوث.
لو فكّر اللبنانيون كخليل فاضل لكانت البيئة أفضل.