من «النكش العشوائي» في المستوعبات، مروراً ببيع النفايات المفرزة في الوحدات السكنية وغير السكنية، وصولاً إلى الاستثمار في شركات لإدارة النفايات الصلبة… تولّد «الزبالة» أرباحاً. لم يكن ذلك مطروحاً قبل أزمة النفايات عام 2015، عندما كانت مصانع إعادة التدوير تتنافس على قطعة بلاستيك. تراكم النفايات وتراجع عمل الشركات الملتزمة طمرها بسبب خلافات على الأسعار وتشجيع الجمعيات البيئية والناشطين على الفرز من المصدر، أدت إلى خلق قطاع لإدارة النفايات لا يزال في طور التشكل، يقوم على إنشاء مراكز استقبال للنفايات الصلبة وفرزها ثم كبسها أو فرمها. شركة «إدارة نفايات لبنان»، بحسب رئيسها بيار بعقليني، هي «شركة تجارية تبغي الربح، تدير النفايات الصلبة الجافة غير الطبية أو الخطرة كالورق والبلاستيك والنايلون والحديد والإلكترونيات والتنك والألمنيوم…». انطلقت الشركة بمبادرة فردية تشجيعاً للفرز لأهداف بيئية. بعد أربع سنوات، لديها اليوم أربعة فروع، وتشغّل 40 موظفاً يعملون في الفرز والكبس والفرم، إلى جانب موظفين في القسم الإداري والمحاسبة. يقول بعقليني «صحيح أنّ الفكرة هدفها بيئي، لكنّني استثمرت في هذا المشروع من جيبي الخاص حتى أوسّعه، ولديّ خطط مستقبلية لإعادة التدوير بعد الفرز لأنني أؤمن بنجاح مشروع إدارة النفايات على المدى الطويل».
كيف تُدار النفايات؟ يجيب بعقليني: «أولاً، يزن الموظف النفايات التي تصل إلى المركز ويسعّرها، ثم يشتريها من صاحبها، و40% من الزبائن يتبرّعون بالسعر للشركة أو لجمعية Kids First لعلاج الأطفال المصابين بالسرطان. ويراوح سعر الكيلو الواحد من النفايات بين 3 آلاف و50 ألف ليرة بحسب النوع». ولمن لا يستطيع الوصول إلى المركز، «تتوفر خدمة دليفري، وفي هذه الحال يذهب ثمنها لقاء خدمة التوصيل إلى المركز ويتحول الهدف الربحي إلى بيئي بحت». بعد استقبال النفايات يجري فرزها، «حتى ضمن الصنف الواحد هناك أنواع مختلفة، مثلما يوجد 12 صنفاً من الورق، كلّ منها يُعالج بطريقة مغايرة». بعدها، تأتي عملية الكبس أو الفرم «فنردّ أغطية العبوات البلاستيكية مثلاً إلى حبيبات عبر الفرم ولدينا عجّانة لمعالجة الفلّين». وأخيراً، توزّع النفايات على مصانع تعيد إنتاجها أو تُصدَّر إلى الخارج.
تدير جمعية «فكر وإنسان» البيئية النفايات الصلبة في مركزها في صور منذ عام 2017 «من دون أن نحقق أرباحاً، إذ توازي النفقات الواردات»، بحسب رئيس الجمعية حسن حجازي. لكن ذلك «لا يعني أنّ إدارة النفايات قطاع غير مربح، بل على العكس فهو يدرّ المال إذا انطلق المشروع بفكر تجاري، خلافاً لمنطلقاتنا التي تهدف إلى التوعية البيئية». ويعطي مثلاً عن ذلك «أننا نشتري الزجاج من الناس، رغم أنّ مصانع الزجاج مقفلة، وبالتالي نحن نخسر بالمنطق التجاري».
لم ينمُ مشروع الجمعية كما يجب طوال هذه السنوات، بسبب «التحديات التي واجهتنا بدءاً من انتشار جائحة كورونا، مروراً بالأزمة الاقتصادية وارتفاع كلفة المحروقات والصيانة، وصولاً إلى الحرب في الجنوب وعدم قدرتنا على الاجتماع بالناس في ساحات البلدات لشراء نفاياتهم كما كنا نفعل قبل الحرب، ما دفعنا إلى إرسال سائق «دليفري» لجلبها، وبذلك لم تعد العائلات تتحمّس للفرز لأن ثمن النفايات سيذهب إلى خدمة التوصيل». وعمّا إذا كان استقبال النازحين في صور انعكس إيجاباً على كمية النفايات المنتجة يقول: «ليست لدى النازح أولوية فرز النفايات من أجل معالجتها». ولفت حجازي إلى «احتكار عدد محدود من الشركات مهمّة تصدير النفايات وتحكّمها بالسوق وبالأسعار»، موضحاً «أننا نبيع طن الكرتون بـ 40 دولاراً بعدما كنا نبيعه بـ 90 دولاراً عام 2018، رغم أن أسعاره في البورصة العالمية تضاعفت مرتين وأكثر».
زينب حمود – الاخبار