تتجه الأنظار نحو الحدود الإسرائيلية اللبنانية وسط توقعات بساعات ساخنة قد تتحول إلى “حرب تموز” جديدة في ظل تهديدات إسرائيلية بالرد “بقوة” على عملية مجدل شمس في الجولان.
ولم يكد يهدأ غبار الصاروخ الذي سقط على ملعب لكرة القدم في تلك القرية، حتى سارعت تل أبيب لتوجيه أصابع الاتهام إلى حزب الله اللبناني، بالمسؤولية ومتوعدة بتكبيده “ثمناً باهظاً”، رغم نفي الحزب نفياً قاطعاً مسؤوليته عن الهجوم الذي أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى.
وقرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو اختصار زيارته لواشنطن وأجرى مشاورات أمنية لتقييم الوضع، ليؤكد أن “حزب الله سيدفع ثمنا باهظا لم يدفع مثله حتى الآن”.
واعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن “الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تجاوز الخطوط الحمراء، وسيلقى رداً متناسباً”، وقال: “نقترب من حرب شاملة ضد حزب الله… سنرد دون سقف. علينا الاستعداد لتكبد خسائر كبيرة في الجبهة الداخلية”.
واصطفت المعارضة وراء الحكومة، وتماهت تصريحات زعيمها يائير لابيد، مع الموقف الرسمي، إذ رأى أن “حزب الله المدعوم من إيران قتل إسرائيليين أبرياء، وعلينا مسؤولية الدفاع عن مواطنينا واستعادة الأمن”، وأضاف: “الوضع في الشمال لا يمكن أن يستمر على هذا النحو وعلى الحكومة الإسرائيلية أن تضع حدا لهذه الفوضى وعلى العالم أن يقف إلى جانب إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.
بدوره، قال أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” المعارض إن “المسؤول عن مقتل العديد من الأطفال في مجدل شمس هو نصر الله وقد حان الوقت ليدفع الثمن”.
ووصف الجيش الإسرائيلي ما حدث بـ “حادث خطير للغاية ونحن نستعد للرد بشكل كبير على مقتل الأطفال”، وأردف: “يبدو أن الصاروخ الذي سقط، كان ثقيلا”.
وتحدث الجيش الإسرائيلي عن معرفة مكان إطلاق الصاروخ وهوية مطلقه، قائلا: “من تحليل الأنظمة العملياتية في جيش الدفاع يتبين أن إطلاق القذيفة الصاروخية باتجاه وسط مجدل شمس تم من منطقة تقع شمال قرية شبعا في جنوب لبنان“.
وأضاف “وفقاً للمعلومات الاستخباراتية الموثوقة التي يملكها جيش الدفاع فإن حزب الله يقف وراء عملية الإطلاق”.
كذلك، قال الجيش الإسرائيلي إن الصاروخ الذي أطلق هو من نوع “فلق”، مشيراً إلى أن هذا الصاروخ لا يمتلكه إلا “حزب الله“، موضحاً أنه يحمل رأساً حربياً بوزن 53 كيلوغراماً.
وعلى الجانب الآخر، ذهبت تقديرات إلى أن الصاروخ ربما يكون إسرائيلياً، أطلقته القبة الحديدية لاعتراض صواريخ أطلقها حزب الله على أهداف عسكرية، مستندين إلى أن حزب الله لا يخفي عملياته التي بدأها في 8 تشرين الأول، إسناداً لحماس في الحرب التي أعلنتها عليها إسرائيل.
وقال رئيس المبادرة الدرزية غالب سيف: “الصواريخ التي تسقط على القرى الدرزية والجليل، هي صواريخ اعتراضية إسرائيلية، ودائما تتسبب في أضرار فادحة في الأماكن والأرواح”.
ووسط التأكيدات الإسرائيلية، أن الصاروخ أطلق من جنوب لبنان، ظهررت تساؤلات عن جز الدفاع الجوي الإسرائيلي على رصده واعتراضه، لتطرح علامات استفهام جديدة عن كفاءة منظومات الدفاع الجوي التي أخفقت في رصد واعتراض العديد من الصواريخ والطائرات التي يطلقها ما يسمى بـ”محور المقاومة” على إسرائيل، سواءً من حزب الله في لبنان أو جماعة الحوثيين في اليمن.
وأطلق مسؤولون إسرائيليون اتهامات لحزب الله بتجاوز الخطوط الحمراء وقواعد الاشتباك بتجنب استهداف المدنيين.
وقال وزير الاقتصاد الإسرائيلي نير بركات: “على إسرائيل قلب المعادلة كليا في جبهة الشمال، وعلى حزب الله ولبنان دفع الثمن الباهظ . على الكابينت الأمني تغيير سياسته والانتقال من الاحتواء إلى الهجوم”.
ad
وقال بيني غانتس، عضو مجلس الحرب السابق وزير الدفاع السابق: “منذ أن كنا في الكابينت ونحن نقول إنه يجب التوصل إلى صفقة تبادل ونقل الحرب إلى جبهة الشمال”.
ومن جهته، رأى وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، أن على نتنياهو عقد جلسة فورية للكابينت “واتخاذ الخطوة، وإعلان الحرب الآن”.
وحث رئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست تسفيكا فوغل القيادة السياسية على التصعيد، قائلا: “أريد أن أرى لبنان مغلقا وحزب الله يحترق. سيدي رئيس الوزراء كفى احتواءً، حكم الجليل والجولان مثل حكم تل أبيب، هيا للهجوم”.
بدورها، عقدت صحيفة “يديعوت أحرونوت” مقارنة اعتمدت فيها على الرواية الإسرائيلية عن ضلوع حزب الله في الهجوم.
وقالت الصحيفة: “في حرب تموز 2006 هاجمت إسرائيل أهدافاً في قرية قانا، وقتلت بالخطأ مدنيين بينهم 21 طفلا. هذا الحادث، بطرق عدة، نقطة تحول في الحرب، حيث قررت الحكومة الأمريكية الضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب بسرعة بعد سقوط ضحايا مدنيين”.
إلا أن حادث مجدل شمس، حسب الصحيفة، الذي قتل أيضاً أطفال وشباباً “سيكون له تأثير معاكس”، وأضافت: “من المرجح أن يؤجج الصراع القائم منذ 9 أشهر على الحدود الشمالية. هذا الحادث المأسوي يقربنا من مواجهة واسعة بين إسرائيل وحزب الله“.
ad
ووسط نذر حرب مفتوحة يخشى من تبعاتها على استقرار المنطقة برمتها، نقل موقع “أكسيوس” عن مسؤولين أميركيين أن إدارة الرئيس جو بايدن “تشعر بقلق عميق من أن يؤدي هجوم مجدل شمس إلى حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله، وقد يكون الشرارة التي كنا نخشاها، ونحاول تجنبها منذ 10 أشهر”.
في غضون ذلك، أصدرت الحكومة اللبنانية بياناً أعربت فيه عن إدانتها “كل أعمال العنف والاعتداءات ضد جميع المدنيين” ، ودعوتها إلى “الوقف الفوري للأعمال العدائية على كل الجبهات”.
وشدد البيان على أن “استهداف المدنيين انتهاك صارخ للقانون الدولي ويتعارض مع مبادئ الإنسانية”.
وفي أول تعليق على التطورات، وصفت إيران الرواية الإسرائيلية بـ “مسرحية افتعلها النظام الصهيوني”.
وقال سفير إيران لدى بيروت مجتبي أماني في تغريدة :”لا تزال اللاءات الثلاث تختصر موقفنا من التهديدات بتوسيع الحرب على لبنان والمنطقة”.
وقلل من احتمال ذهاب إسرائيل لهذا السيناريو، قائلًا: “لا نتوقع شنها ونعتبر أن فرصها ضئيلة جداً بسبب معادلات القوة المفروضة”، مضيفاً “لا نريدها لأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية دائماً ما تسعى للتخفيف من حدة التوترات في المنطقة”، قائلاً في الوقت نفسه: “لا نخافها بكل ما للكلمة من معنى ولأعدائنا أن يتخيلوا ماذا يمكننا أن نفعل بما لدينا من قوة واقتدار ودفاع عن المقاومة”.
واليوم، حذرت وزارة الخارجية الإيرانية، إسرائيل من “أي مغامرة جديدة” ضد لبنان بذريعة حادثة مجدل شمس في الجولان.
وقالت الخارجية الإيرانية في إنّ أي هجوم إسرائيلي متهور ضد لبنان يمكن أن يؤدي إلى توسيع نطاق عدم الاستقرار وانعدام الأمن والحرب في المنطقة.
ويرى مراقبون أن تهديدات المسؤولين الإسرائيليين تشي بأن حادث مجدل الشمس وما سيليه من تبعات سيشكل نقطة تحول دراماتيكية في الصراع بين إسرائيل، وحزب الله. (24)