هلا بالخميس”.. يوم لهُدنة تستمر أو شاهد على معركة تستعِر

هلا بالخميس … فهذا الخميس الذي يصادف 15 آب الجاري إما يكون “خميسا سعيدا” يتحقق فيه وقف لاطلاق النار في غزة، او يكون “خميساً تعيساً” لا جدوى منه ولا نفع، والمتوقع ان يكون كذلك، لانه بعد اقل من 24 ساعة من الدعوة إليه ليل الخميس ـ الجمعة ارتكب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “على طريق غزة” مجزرة “مدرسة التابعين” التي قضى فيها مئات الشهداء والجرحى، وذلك في رسالة واضحة منه الى من يعنيهم الامر انه لا يريد وقفا للنار ولا هدنة ولا من يهادنون، وانه ماض في قانون هنيبعل غير ابه بحياة الاسرى وآسريهم وسكان القطاع حتى ولو ابادهم عن بكرة ابيهم، وكذلك لا يريد قيام دولة فلسطينية في اطار “حل الدولتين” او خارجه.
 

وفي انتظار انعقاد ما اصطلح على تسميته “لقاء الخميس” في الدوحة بعد استبعاد القاهرةـ الذي حدد موعده البيان ـ المبادرة الأميركية ـ المصرية ـ القطرية الأخير فإن مواقف نتنياهو وتصرفاته ميدانيا توحي بأمرين:
ـ اما نسف هذه المبادرة الثلاثية الأميركية ـ المصرية ـ القطرية مثلما نسف سابقاتها، ولذلك ارتكب مجزرة “مدرسة التابعين” غداة اعلان هذه المبادرة.
ـ وإما ملاقاة لقاء المتفاوضين بتقدم عسكري في الميدان يعزز موقفه التفاوضي في مقابل إضعاف موقف “حماس” لتقبل بأي شيء في مقابل وقف اطلاق نار والتنازل عن بقية مطالبها من انسحاب الجيش الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة وإدخال المساعدات الاغاثية اليه بالكميات المطلوبة والانسحاب من محور فيلادلفيا ووضع الأسس لإعادة إعمار القطاع وتحديد اليوم التالي على مستوى السلطة فيه.
 

لكن هذا البيان الثلاثى، و بحسب قول بعض الديبلوماسيين ل “ لبنان 24″ جاء ملتبسا سواء من حيث التوقيت او من حيث المضمون.
في التوقيت يأتي في عز تصاعد تحضيرات “محور المقاومة” السياسية والديبلوماسية والعسكرية للرد على الاغتيالات الاسرائيلية الأخيرة وما هو متداول في شأنه من سيناريوهات، وهل سيتسبب بحرب شاملة في المنطقة يدفع إليها الرد الإسرائيلي المرتقب عليه ام ان تل أبيب ستستوعبه  وترد طفيفا لأنها لم تحصل على ضوء أخضر وجسر جوي اميركيين تحتاج إليهما لخوض الحرب الشاملة.
أما من حيث المضمون فيبدو أن المراد من هذه المبادرة الثلاثية تحييد الأنظار عن “محور المقاومة” ورده، عبر اشغاله بوقف اطلاق النار واقرار هدنة لتبادل الاسرى والمعتقلين في غزة، عله يتخلى لاحقا عن الرد طالما ان مطلبه منذ البداية كان قبل الاغتيالات وبعدها ولا يزال الى الآن هو وقف النار في غزة.
ويقول البعض أن الولايات المتحدة الأميركية التي وقفت وراء “البيان الثلاثي”الذي صدر ممهورا بتواقيع الرئيس جو بايدن ونطيره المصري عبد الفتاح السيسي وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، تهدف منه الى منح إسرائيل مزيدا من الوقت لتحضير نفسها اكثر لمواجهة ردود “محور المقاومة”عليها، بما لا يعرضها لأي انتكاسات معنوية وردعية جديدة لأنها على رغم ما ارتكبته من مجازر وتدمير في قطاع غزة ومن اغتيالات سياسية وهجمات كان آخرها الهجوم الجوي على مرفأ الحديدة اليمني، لم تحقق “الانتصار المطلق”الذي يطمح إليه نتنياهو لاستعادة “قوة الردع” التي فقدتها منذ عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول الماضي، بدليل أن نتنياهو وعلى رغم من إعلاناته المتكررة لم يحقق أي انتصار في قطاع غزة يمكن أن يعيد اليه “الردع المفقود”.
غير أن احد الديبلوماسيين يؤكد لـ “ لبنان 24″ ان الايام المعدودة الفاصلة عن موعد اجتماع الخميس “حساسة جدا ودقيقة جدا ومفتوحة على كل الاحتمالات ومنها:
 

ـ أولاً، احتمال إقدام إسرائيل على توجيه ضربات استباقية لردود “محور المقاومة” على عملياتها الاخيرة في ضاحية الجنوبية لبيروت وطهران وبغداد والحديدة، بغية افقاد هذه الردود فعاليتها وضعضعتها سواء جاءت موحدة أو متفرقة.
ـ ثانياً، حصول ردود محور المقاومة على إسرائيل قبل اجتماع الخميس إذا كان مؤكدا ومضموناً أنه سينتهي إلى اتفاق على وقف اطلاق النار، فتبادر اسرائيل إلى إلتزامه ويكون ذلك مخرجا لاستيعاب تلك الردود وعدم الظهور في موقع المعطل، ومن دون أن يأخذ عليها احد أنها تراجعت او انها عاجزة عن الرد خصوصا وأنها ترعد وتهدد منذ بداية “الطوفان” بشن حرب واسعة انطلاقا من جبهة لبنان وضد ايران.
ـ ثالثاً، أن لا تحصل الردود قبل اجتماع الخميس إذا كان مقررا له فعلا أن ينتهي إلى اتفاق على وقف النار في غزة، بحيث يؤمن هذا الاتفاق المخرج للجميع من إيران الى حزب الله واليمن والمقاومة العراقية لكي لا يذهبوا إلى ردود يمكن ان تتخذها اسرائيل ذريعة لشن حرب الواسعة التي تهدد بها، علما انهم يعتبرون ان مجرد حصول اتفاق على وقف النار “سيكون انتصاراً للمقاومة الفلسطينية في غزة”، وهو كان مطلبهم منذ إعلانهم “حرب الإسناد”لغزة غداة عملية “طوفان الأقصى”.
وثمة من قال أنه في حال حصول الاتفاق على وقف النار قبل ان يرد “محور المقاومة” على اسرائيل، فإنه سيكون صعبا على المحور الرد بعده على اسرائيل، لانه اذا رد فستوجه إليه أصابع الاتهام بتخريب الاتفاق وإطالة امد الحرب.
وفي رأي المصدر الديبلوماسي أن الاجتماع الخميس يمكن أن يتوصل إلى اتفاق على فوق النار لأن الولايات المتحدة وحلفاءها يضغطون منذ اشهر في هذا الاتجاه ويرغبون في تصعيد الضغط على إسرائيل لأنها هي من يعوق هذا الاتفاق نتيجة اصرارها على الاستمرار في الحرب.
 

“لعبة الفواصل”
لكن هذا الديبلوماسي يسأل: كيف يمكن للولايات المتحدة وحلفائها أن يأتوا بإسرائيل إلى طاولة المفاوضات؟.ويرى ان عله هؤلاء أن يرفعوا من منسوب الضغوط عليها لكي تقبل بوقف النار والتوقف عن “لعبة الفواصل” في النصوص خلال المفاوضات مع “حماس” فـ “لعبة الفواصل” كان لعبها شمعون بيريز مع  لبنان خلال المفاوضات الذي أدت إلى “تفاهم نيسان” عقب عملية “عناقيد الغضب” عام 1996.
ويكشف الدبلوماسي أن الادارة الأميركية ومعها الرأي العام الاميركي عموما قلقان جدا على مستقبل مصالح أميركا في المنطقة نتيجة السياسة التي ينتهجها نتنياهو بإصراره على استمرار الحرب في غزة، حيث أن تأثير الرئيس الأميركي جو بايدن عليه “يصل إلى حدود القلق فقط ولا يصل إلى حدود فرض الإرادة”، لأن موازين القوى بينهما تسير في الاتجاه المعاكس لمصلحة نتنياهو، خصوصا في ظل المعركة الانتخابية الحامية الوطيس الدائرة بين المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس والمرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب. ولذلك فإن إدارة بايدن حذرة في ممارسة الضغوط على نتنياهو لإقناعه بوقف النار وذلك مراعاة منها لمزاج الناخب اليهودي في الانتخابات الاميركية. وعلى الارجح ان بايدن يريد  من اجتماع الخميس الذي اشرك فيه القطري والمصري الى جانبه، ان يشكل عامل ضغط اضافي “متعدد الجنسية” وليس اميركيا فقط، على نتنياهو.
وفي المقابل يضغط نتنياهو على الادارة الاميركية محاولا جرها إلى حرب ضد إيران، خصوصا وانه لا ينظر بعين الارتياح إلى المفاوضات الجارية حاليا بين واشنطن وطهران عبر الوسيط العماني وغيره، على رغم من ان الاميركيين يركزون في هذه المفاوضات غير المباشرة مع الإيرانيين على تجنيب إسرائيل الرد القوي التي يلوحون به ردا على إغتيال اسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية. لكن نتنياهو رغم ذلك يعمل بقوة على جر واشنطن إلى حرب ضد ايران. وفي هذا الوقت تعمل الإدارة الأميركية ايضا على عقد اتفاق مع “محور المقاومة” لمنع نشوب الحرب التي لا يريدها أحد لا الروس ولا الأميركيين بـ”جمهورييهم و”ديموقراطييهم”، علما أن الروس لا يضيرهم في شيء إن تورطت أميركا وإسرائيل في حرب ضد إيران والشرق الاوسط عموما، لكنهم يرون ان ليس وقتها الآن.
 

لكن الخوف الوحيد لدى الأميركيين هو من اقدام نتنياهو على الهروب مما يتخبط فيه الى الامام بالذهاب الى الحرب، في اعتبار ان توقفها في هذه المرحلة الحساسة يمكن ان يعجل من دخوله السجن لانه سيمثل امام القضاء الاسرائيلي في تشرين الاول المقبل في ملفات الفساد المتهم بها (قبل عملية طوفان الاقصى).
ولذلك، يقول الديبلوماسي نفسه، ان نتنياهو يحرص على الاستمرار في الحرب الى امد طويل وسيحاول ازاحة كل من يحاول وقفها من طريقه على رغم من إدراكه أن واشنطن لا ترى مصلحة لها فيها وكذلك الرأي العام الاميركي، فواشنطن تعتبر انها تورطت في حربين سابقا، ولكنها خائفة جدا الآن من التورط في ثالثة مع الصين. ولذا لا يمكنها إلا أن تأخذ كل هذه الأمور في الاعتبار، ألا انه قد لا يتغير اي شيء على الأرض اللهم الا إذا توصل اجتماع الخميس المقبل في الدوحة إلى اتفاق على وقف إطلاق نار.

Exit mobile version