لعلّ من أخطر ما يعانيه جيل الـ”تيك توك” والـ”نينتندو” نتيجة خموله المزمن، مشكلة السمنة بأبعادها الصحية والنفسية والاجتماعية، فالأمر لن يقتصر على الوزن الزائد والشكل “الشوبي” وما يرافقهما من أمراض جسدية بل يتخطى ذلك الى “عقدة الحجم” الناتجة عن التنمّر المباشر أو بـ”اللسع الكلامي”. أطفال هذا العصر معرّضون بشدّة لهذه المشكلة الصحيّة، فهم جيل “الترند” والأطعمة الغريبة العجيبة!
تشكّل السمنة قضية صحية رئيسية في الشرق المتوسط، اذ يعاني منها على نحو مثير للقلق أكثر من نصف النساء 53%، نصف الرجال 45% تقريبًا و8% من الأطفال والمراهقين في سِن المدرسة، في حين يعاني 20.5% من زيادة الوزن، وفقاً لآخر دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية.
هذه الأرقام من المتوقع أن تتزايد لتؤثر السمنة على أكثر من 1.9 مليار شخص على مستوى العالم، أي ما يقرب من 25% من سكان الأرض بحلول عام 2035.
وبحسب الصحة العالمية تشمل هذه التوقعات حدوث ارتفاع هائل يصل إلى 100% في معدل سمنة الأطفال، إضافة الى ما يترتّب عن ذلك من أثر اقتصادي يبلغ قدره 4.32 تريليونات دولار أميركي، بسبب العواقب الصحية المرتبطة بالسمنة.
ما هي أسباب هذا الارتفاع الكبير المرتقب؟
توضح إختصاصية التغذية إليز الحداد لـ” لبنان 24″ أن سمنة الأطفال تعدّ مشكلة صحية تتزايد بشكل مقلق في العالم وفي لبنان، مشيرة الى أن “أطفالنا يتأثرون بشكل كبير بالإعلانات و”الترندات” والمواقع الإلكترونية التي تستهدفهم وتشجعهم على تناول الأطعمة غير الصحية. باتوا يكثرون من تناول الأطعمة المصنعة والغنية بالدهون والسكريات، المشروبات الغازية والعصائر المحلاة، على حساب ما هو صحي ومفيد كالفواكه والخضروات والحبوب الكاملة”.
كذلك، يجلس الأطفال وقتاً طويلاً أمام الشاشات من دون أن يقوموا بأي نشاط بدني يذكر.. يأكلون، يجلسون ثم ينامون. لا حركة! وهذا من أحد أهمّ أسباب السمنة وفقاً لحداد التي تشدد على ضرورة تقليل وقت الألعاب الالكترونية وزيادة فترات اللهو الحركي والنشاطات لمنع الجسم من تخزين الدهون الزائدة التي قد تُلحق الضرر بصحة الأطفال.
وهنا تلفت الاختصاصية الى ان الظروف الاجتماعية والاقتصادية قد تؤثّر على نوعية غذاء الأطفال، مشيرة الى أن “الأولاد سيعتمدون في غذائهم على ما هو متوفّر”، لذا تنصح الأهل بالابتعاد قدر المستطاع عن المقرمشات وأكل السناك او ما يعرف بـ”الجنك فود” أو “فاست فود” والتي تحتوي على سعرات حرارية عالية.
وللعوامل الوراثية تأثير أيضاً، فبحسب الحداد تلعب الجينات دورًا مهمّاً في تحديد قابلية الشخص للإصابة بالسمنة غير أنها ليست العامل الوحيد ويمكن تدارك الإصابة إن اتبع الأطفال نظاماً صحياً مغذياً وسليماً.
مخاطر قد ترافق الأطفال مدى حياتهم!
السمنة وبتعريفها العلمي تحدث لدى تراكم أنسجة دهنية بشكل مفرط في الجسم وهو ما يزيد من خطر إصابة الأطفال بأمراض مزمنة في مرحلة البلوغ.
وتقول الحداد: “يمكن أن تزيد السمنة احتمالَ الإصابة بأمراض القلب، السكري من النوع الثاني، ارتفاع ضغط الدم، ارتفاع الكوليسترول، مشاكل في المفاصل، الأكزيما، حب الشباب وبعض أنواع السرطان”.
لا تقّل المشاكل النفسية والاجتماعية خطورة عن الصحية، فهذا جيل “تيك توك” والموضة والأزياء والتجميل! وتشير الحداد الى أن “التنمّر الذي قد يعاني منه الأطفال الذين يعانون من السمنة المفرطة أشد خطورة من الأمور الصحية التي يمكن تجنبها باتباع حمية صحية سليمة”. وتضيف: “هؤلاء قد يفضلون العزلة بدل الانخراط في المجتمع تجنباً لاصابتهم بالاحراج من حجمهم وشكلهم وسيصابون بالاكتئاب مما قد يتعرضون له، كما انهم سيعانون من انخفاض تقديرهم لذاتهم ما سيسبب لهم صعوبات تعليمية. كل ما سبق سيؤثّر حكماً على حياتهم ومستقبلهم ان لم يتدارك الأهل الأمر”.
على الأهل التدخّل فوراً!
لن يعرف الأطفال مدى خطورة زيادة وزنهم وجلوسهم الدائم أمام شاشات التلفزيون والهاتف الذكي وهنا يبرز دور الأهل في حمايتهم عبر توفير بيئة صحية سليمة وتأمين المتابعة اللازمة لهم في حال كانوا ضحية التنمّر.
وتوضح الحداد أن “الأطفال يتأثرون بعادات العائلة من حيث التغذية والنشاطات”، مضيفة: “يجب تحضير وجبات غذائية صحية كاعداد شوربة خضار، دجاج مشوي مع أرز أسمر، وسلطة خضراء”.
وتتابع: “من الضروري إضافة النشاط البدني الى برنامج العائلة كممارسة المشي، ركوب الدراجات واللعب في الهواء الطلق”.
كما أن للمدرسة دورا مهما أيضاً في ما يخص السمنة، إذ أنها تعتبر منزل الطفل الثاني، بحسب حداد. وتعتبر الأخيرة انه تقع على المدارس مهمة التوعية وتشجيع الطلاب على ممارسة النشاط البدني خلال الفواصل الدراسية.