فضيحة من العيار الثقيل

“ليبانون ديبايت”

من حق لبنان مقاضاة إسرائيل على جرائمها وتدميرها للقرى اللبنانية في الجنوب، إلاّ أنه عاجز عن إعداد الملف القانوني المناسب وإجراء التكليف اللازم للمتابعة، والسبب “الفضيحة” التي يكشف عنها المحامي الدكتور بول مرقص، رئيس مؤسسة “جوستيسيا” والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبور، والتي تتمثل بعدم تشكيل لجنة وطنية خاصة رغم وجود مرسوم حكومي منذ 15 عاماً، بسبب الخلاف حول من يترأسها، وما إذا كان وزير العدل كما هي الحال في كل دول العالم، أم نائب رئيس الحكومة كما يقوم عليه العرف في لبنان.

ويوضح مرقص في حديثٍ ل”ليبانون ديبايت” أن “خسائر لبنان الإقتصادية والبشرية جراء الضربات الإسرائيلية هي موضوع للملاحقة القضائية بوجه إسرائيل، لولا عوائق أساسية تتمثل بصعوبة لجوء لبنان إلى المرجعيات الدولية، وذلك إمّا بسبب صعوبة توافر الإختصاص أمام المحاكم الدولية نظراً لخصوصية موقفهما القانوني، أو بسبب الضغوط السياسية على مجلس الأمن.”

فلبنان عضو في الأمم المتحدة، ويحق له تالياً التقدم بدعوى أمام محكمة العدل الدولية بوصفها الجهاز القضائي للأمم المتحدة، إلاّ أن مرقص يتحدث عن “إشكالية تكمن في الإتفاقية الدولية التي يمكن لها مراعاة إسرائيل على خرقها، لأن جرائمها المرتكبة في لبنان ذات طابع إقتصادي وبيئي تدميري وليست من فئة الإبادة الجماعية التي تخضع للإتفاقية العائدة لها لعام ١٩٤٨ كما يجري حالياً في دعوى جنوب أفريقيا”.

ويشير مرقص إلى أنه كان من الممكن الإحتكام إلى المحكمة الجنائية الدولية الدائمة المنشأة بمقتضى نظام روما لعام ١٩٩٨ والتي تختص أيضا بالجرائم ضد الإنسانية وجريمة العدوان، لكن لبنان ليس عضواً فيها وكذلك طبعا إسرائيل.

وبنتيجة هذا الواقع، يعتبر مرقص أنه يبقى على لبنان أن يتقدم بشكاوى أمام مجلس الأمن وسائر أجهزة الأمم المتحدة دون أن يكون لديها جدوى فعلية سوى أنها على سبيل الضغط فقط، علماً أنه سبق أن نجح بالإستحصال على قرار من اللجنة الإقتصادية بتعويض إسرائيل عليه عن بقعة النفط التي تسببت بها إسرائيل حين أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بغالبية ساحقة، قراراً يطالب إسرائيل بدفع 856.4 مليون دولار إلى لبنان، تعويضاً عن بقعة النفط التي تسببت فيها “غارة جوية إسرائيلية” يوم 15 تموز 2006، وقد صوّت لصالح القرار 161 دولة من أعضاء الجمعية العامة، مقابل اعتراض 8 دول (من بينها “إسرائيل” والولايات المتحدة) وامتناع 7 دول أخرى عن التصويت. وقد أكد القرار أن “إسرائيل تتحمل المسؤولية عن دفع تعويضات فورية إلى حكومة لبنان وإلى البلدان الأخرى التي تضررت بصورة مباشرة من البقعة النفطية، مثل سوريا التي تلوثت شواطئها جزئياً”.

وأمّا لجهة الخسائر البشرية والمدنية التي تكبّدها لبنان جراء هذه الضربات، فيشير مرقص إلى أنها تنتهك عدداً من المبادئ والقوانين الدولية وهي:

1. المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة: تنص هذه المادة على حق الدول في الدفاع عن نفسها، لكنها تشترط أن يكون استخدام القوة ضروريًا ومتناسبًا مع التهديد. الضربات التي تتسبب في إصابة أو قتل المدنيين بشكل غير متناسب يمكن اعتبارها انتهاكًا لهذا الشرط.

2. المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف لعام 1949: تفرض هذه المادة حماية شاملة للمدنيين من العنف الذي لا يستند إلى ضرورة عسكرية واضحة. الهجمات التي تستهدف أو تؤدي إلى إصابة المدنيين دون التمييز تنتهك هذه المادة.

3. البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977: يُلزم الأطراف المتنازعة بالتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، ويمنع الهجمات العشوائية التي قد تصيب المدنيين. انتهاك هذا البروتوكول يعرض الجهة المسؤولة للمساءلة القانونية أمام المحاكم الدولية.

4. المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية: تُصنف الهجمات المتعمدة على المدنيين أو الأعيان المدنية على أنها جرائم حرب. الضربات التي تستهدف أو تؤدي إلى قتل أو إصابة المدنيين قد ترقى إلى مستوى الجرائم التي يمكن محاكمة مرتكبيها أمام المحكمة الجنائية الدولية.

الضربات الإسرائيلية التي ألحقت أضرارًا بالبنية التحتية اللبنانية تنتهك أيضًا عددًا من القواعد القانونية الدولية:

1. مبدأ المسؤولية الدولية: وفقًا للقانون الدولي العرفي والمادة 31 من مشروع مواد لجنة القانون الدولي بشأن مسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دوليًا، فإن أي دولة تتسبب بأضرار لدولة أخرى نتيجة فعل غير مشروع دوليًا تكون مسؤولة عن تعويض تلك الأضرار.

2. اتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907: تفرض المادة 23 من هذه الاتفاقية قيودًا على تدمير الممتلكات غير الضرورية عسكريًا. تدمير المنشآت الاقتصادية والبنية التحتية الذي لا يخدم غرضًا عسكريًا مشروعًا يعد انتهاكًا لهذه الاتفاقية.

3. المادة 35 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف: تمنع هذه المادة استخدام وسائل وأساليب قتال تسبب أضرارًا واسعة النطاق وطويلة الأمد وشديدة للبيئة، مما يشمل الأضرار الاقتصادية. إذا كانت الهجمات تؤدي إلى تأثيرات بيئية واقتصادية جسيمة، فإنها تشكل انتهاكًا لهذه المادة.

4. ميثاق الأمم المتحدة (المادة 2 فقرة 4): تحظر هذه المادة استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة. الأضرار الاقتصادية الناتجة عن استخدام القوة قد تشكل أساسًا لمطالبة لبنان بتعويضات بموجب هذا الميثاق.

Exit mobile version