موسم الزيتون في لبنان يُعتبر من الأحداث الزراعية المهمة التي ينتظرها المزارعون بفارغ الصبر كل عام. فهو ليس مجرد نشاط زراعي، بل هو جزء من التراث الثقافي والاقتصادي للبلاد. لكن مع تزايد التحديات الطبيعية والأمنية، يبدو أن هذا الموسم قد يواجه صعوبات غير مسبوقة.
من المعروف أن شجر الزيتون يتبع دورات طبيعية تتراوح بين سنوات وفيرة الإنتاج وأخرى خفيفة، حيث يشار إلى هذه الظاهرة بالعبارة المتداولة بين المزارعين: “سنة بتحمل.. سنة لا”. هذا النمط الزراعي، المتأصل في جذور الزراعة اللبنانية، يُعزى إلى عدة عوامل بيولوجية وبيئية تؤثر على الأشجار، مثل كمية الأمطار، ودرجات الحرارة، وحتى العناية التي يتلقاها الشجر.
لكن هذا العام، يبدو أن الأمور أكثر تعقيدًا من مجرد تقلبات طبيعية. الأحداث الأمنية المتصاعدة في منطقة الجنوب ألقت بظلالها على موسم الزيتون، خصوصًا في المناطق الحدودية. فقد حُرم العديد من المزارعين من الوصول إلى أراضيهم لقطف ثمار الزيتون نتيجة للظروف الأمنية غير المستقرة. هذا الواقع ليس فقط تحديًا زراعياً، بل يمتد ليصبح أزمة اقتصادية واجتماعية، حيث يعتمد العديد من العائلات في تلك المناطق على عائدات الزيتون كمصدر رئيسي للدخل.
الأزمة لم تقتصر على الجوانب الأمنية فقط، بل تجاوزتها إلى أبعاد بيئية خطيرة. حيث أن قنابل الفوسفور التي ألقتها قوات العدو خلال التصعيد الأخير، تسببت في أضرار جسيمة للبيئة، بما في ذلك الأشجار المثمرة. تأثير هذه المواد الكيماوية ليس محدودًا على الأشجار فقط، بل يمتد ليشمل التربة والمياه، مما يضع مستقبل الزراعة في تلك المناطق على المحك.
في مقابلة مع “صوت كل لبنان”، صرّح الخبير الزراعي عبدالله فقيه بأن الفوسفور الأبيض يعد مادة شديدة الخطورة، حيث يتسبب في احتراق كافة المحاصيل التي يتعرض لها. وأوضح أن هذه المادة تستمر في التفاعل حتى تكتمل عملية احتراقها، مما أدى إلى تأخير عملية قطاف الزيتون لدى العديد من المزارعين.
وأشار،”إلى ظاهرة “مقاومة الزيتون”، حيث لاحظ المزارعون أن بعض الأشجار تحمل محصولاً وفيراً، في حين أن أشجاراً أخرى تكون شبه معدومة الثمار. وأرجع ذلك إلى الحرب التي اندلعت في العام الماضي، حيث لم يتمكن البعض من قطاف محصولهم، مما أدى إلى تأثيرات متفاوتة على إنتاجية الموسم الحالي.”
وأوضح، “أن الزيتون في هذه الفترة يواجه خطراً كبيراً، حيث لم تتم العناية بالأراضي تحت الأشجار، ولم تُنفذ العمليات الزراعية الضرورية كالحراثة والتعشيب. هذا الوضع قد يؤدي إلى تراجع كبير في إنتاج الزيتون، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة احتراق الأشجار إذا لم يتم تنظيف الأعشاب المحيطة بها. وأكد أن الوضع الحالي للزيتون مرتبط بشكل كبير بالظروف الزمنية المتغيرة.”
وأن حجم المناطق المتضررة من الفوسفور الأبيض يقدر بنحو 10% من إجمالي إنتاج الزيتون، مما يعني أن تأثيره على أسعار الزيتون وزيت الزيتون قد لا يكون كبيراً على المستوى المحلي. لكن على المستوى العالمي، هناك طلب متزايد على زيت الزيتون اللبناني، سواء داخل لبنان أو خارجه، وهو ما يحكم السوق بناءً على مبدأ العرض والطلب.
وتناول عبدالله أيضًا تأثير الحرب على القطاع الزراعي، الذي ينقسم إلى قسمين رئيسيين: الحيواني والنباتي. وأوضح “أن القطاع الحيواني تعرض لأضرار جسيمة في مناطق الحرب، حيث توقفت تربية المواشي والدواجن، وكذلك إنتاج العسل. وأكد أن كل الإنتاج الحيواني في تلك المناطق قد توقف تماماً.”
أما بالنسبة للقطاع النباتي، فأشارإلى أن “الموسم الصيفي كان معدوم الإنتاجية، كما أن الموسم الشتوي لم يشهد زراعة تذكر بسبب الظروف الصعبة. وأما قطاع الأشجار المثمرة، فلا تزال الأضرار فيه غير محددة بدقة، حيث يتغير الوضع بشكل مستمر بسبب القصف المدفعي المتواصل، مما يجعل من الصعب تقييم الخسائر بدقة.”
وختم عبدالله حديثه بالإشارة إلى أن المناطق التي تتعرض للقصف اليومي أصبحت مناطق خالية من الزراعة بشكل كامل.
كما صرّح رئيس تجمع المزارعين في الجنوب، محمد الحسيني، لإذاعة “صوت كل لبنان” بأن استخدام الفوسفور الأبيض يشكل خطراً كبيراً على الزراعة في المنطقة. وأوضح أن تأثير الفوسفور على الأشجار، وخاصة أشجار الزيتون، يتراوح بين التأثير المباشر وغير المباشر. فالفوسفور عند ملامسته للأشجار مباشرة، يتسبب في احتراقها بالكامل، وقد يؤدي إلى جفافها حتى لو لم تحترق تماماً. كما أن الأضرار تمتد لتشمل مختلف أنواع الأشجار والخضروات، حيث يستهلك الفوسفور الأوكسجين والهواء المحيط به إلى أن يحترق بشكل كامل.
وأضاف الحسيني أن “موسم الزيتون في المناطق المتضررة لم يشهد الإنتاج المتوقع هذا العام. فقد واجه المزارعون صعوبات كبيرة في خدمة أراضيهم، ولم يتمكن الكثير منهم من حراثة الأرض أو العناية بالزيتون، مما يجعل الموسم الحالي غير واضح المعالم. ولم يقتصر الضرر على الزيتون فقط، بل امتد ليشمل زراعة التبغ والدخان، وهما مصدران أساسيان لدخل الكثير من الأسر. وأشار الحسيني إلى أن العديد من المزارعين لم يتمكنوا من زراعة مشاتلهم وحقولهم هذا العام، وبعضهم حتى لم يستطع الوصول إلى حقوله.”
وختاماً، يُعتبر موسم الزيتون في لبنان أكثر من مجرد عملية زراعية. هو جزء من التراث الوطني، وجزء من الهوية الثقافية للبنانيين. ولكن مع التحديات المتزايدة، من الضروري أن يُنظر إلى هذا الموسم كقضية ذات أولوية وطنية، تتطلب استجابة سريعة وشاملة لضمان استمرارية هذه الزراعة الحيوية للأجيال القادمة.