هو شبح الحرب الذي يعيش في ظله اللبنانيون يومياً، وسط مخاوف من توسعها. وعلى الرغم من أن هذا الخوف يترافق مع جهود ديبلوماسية تتكثف هي الأخرى، لا يزال لبنان في دائرة القلق.
وأبعد من الشق السياسي والحيّز العسكري، فإن التقنيات والعمل الميداني لاستيعاب أي كارثة أو حالة طوارئ يبقى هو الشغل الشاغل عند المواطن.
في هذا السياق، تتواصل الاجتماعات الوزارية في السرايا الحكومية، وقد ارتفعت وتيرتها منذ نحو أسبوعين، إن كان مع جهات محلية معنية أو مع الجهات الدولية المساندة.
والسؤال الأهم: هل من أموال رُصدت لخطة الطوارئ المحتملة؟ فإذا كانت الخطة وضعت على الورق، وتقسمت محاور وفق الوزارات المعنية والإدارات والأجهزة المواكبة، فإن المهم هو تأمين المبالغ اللازمة لأي طارئ ما.
“أموالنا شحيحة”
يكشف رئيس “هيئة الطوارئ المدنية” الوزير ناصر ياسين لـ”النهار” أن “الأموال شحيحة، لكن اتصالاتنا مستمرة”.
يمضي ياسين يومه بين اجتماع وآخر، ويقسم مهمات هيئة الطوارئ محاور.
يقول: “منذ تشرين الأول إلى الآن ونحن نواصل البحث في الشق المالي لتمويل برنامج استجابة الإغاثة، ونظراً الى أن الأزمة مرّ عليها أكثر من تسعة أشهر، مقابل ارتفاع أعداد النازحين، فإن ما تأمن حتى اللحظة، هو 25 مليون دولار، وهي حاجات لا تغطي ثلث الفترة، أي بين ثلاثة أو أربعة أشهر، من هنا، فنحن لم نغطّ سوى 30 في المئة أو 40 في المئة من حجم الأموال المطلوبة واللازمة، علماً بأن الحاجات زادت، ما يزيد الثقل والعبء”.
أمام هذا الواقع، عادت هيئة الطوارئ الى السيناريو الأول الذي وضعته مع بداية المواجهات العسكرية، بعدما كانت قد انتقلت، في فترة ما، الى السيناريو الثاني حين كانت العمليات العسكرية محصورة نسبياً في الجنوب. ومن ضمن الاستعدادات الميدانية العاجلة، أجرت الهيئة محاكاة لخطط دعم النازحين إذا توسّعت الحرب.
يعلق ياسين: “على الصعيد المحلي – الرسمي، كل الوزارات المعنية باتت مجندة، وقد فُتح أخيراً اعتماد لوزارة الصحة بقيمة 10 ملايين دولار، وهي وضعت من جانبها أيضاً خطة طوارئ، تماماً مثل وزارة الأشغال التي باتت أيضاً في جاهزية لأي أضرار قد تلحق الطرق أو الجسور أو المرافق المهمة. كما صُرف اعتماد للدفاع المدني في ما يختص بالآليات، ولمجلس الجنوب في ما يتعلق بالحاجات الأساسية الأولية. كل ذلك يشكل تغطية من خزينة الدولة تحت عنوان الاعتمادات الضرورية”.
ولكن، هل هذا كافٍ؟
بالطبع لا. لذلك، تنصبّ الجهود، وفق ياسين، على “المنظمات الدولية، لأن الأموال شحيحة”.
سيناريو حرب تمّوز
لا يزال سيناريو حرب تموز عام 2006 ماثلاً في أذهان اللبنانيين، والرسميين أيضاً. يخبر ياسين أنه “إذا تكرر سيناريو حرب تموز، فإن المعادلة تختلف تماماً والاحتياجات أيضاً. فإذا توسعت الحرب نصبح أمام مشهد مختلف، وتقديراتنا أننا نحتاج شهرياً الى مئة مليون دولار، ونحن ليس عندنا إلا القليل منها”.
في هذه الحالة، يصبح التصوّر، بحسب خطة الطوارئ، كالآتي: يفندها ياسين: “العنصر الأولي المطلوب يكون تأمين مراكز الإيواء في أكبر قدرة استيعابية ممكنة، لئلا يبقى أحد في الشارع، إضافة الى تجهيز هذه المراكز بالحدّ الأدنى المطلوب من المقومات.
العنصر الثاني: تأمين الغذاء. وهذا ما نواصل البحث فيه مع برنامج الغذاء العالمي لتوفير الحصص الغذائية اللازمة، وبالتالي توسيع الدعم، ولا سيما في اللحظات الأولى.
العنصر الثالث: التعاون مع منظمة “اليونيسف” في كل ما يتعلق بحصص النظافة والمستلزمات الأخرى.
العنصر الرابع: التواصل المستمر والحثيث مع الدول المانحة من أجل تمويل إضافي، لأن ما يقدّم على هذا الصعيد لا يزال في دائرة الحد الأدنى”.
وفيما تتواصل الاجتماعات الدورية، فإن الجانب الصحي يبدو أكثر من ملحّ، ولا سيما في زمن الحروب.
تفيد مصادر وزارة الصحة “النهار” أن “الوزارة ستكون في جاهزية دائمة، والاجتماعات مفتوحة لرفع الجاهزية أيضاً، كما أن جميع نقباء القطاع الصحي، ومنهم طبعاً نقيب مستوردي الأدوية ونقيب مستوردي المستلزمات الطبية يحضرون دوماً لتفعيل التنسيق في حال الطوارئ”.
محوران مهمان يعمل عليهما: “تحديد مخزون الأدوية والمستلزمات والمعدات الموجودة، واتخاذ الخطوات اللازمة لتدارك حصول أي نقص في هذا المجال”.
أما مالياً، فلا “تزال وزارة الصحة تتابع عن كثب مع وزارة المال من أجل التسريع في دفع مستحقات المستشفيات كي تكون مؤهلة لأي طارئ قد تفرضه المرحلة المقبلة”.
ومن الواضح أن الوزارة وضعت آلية تنفيذية لخطة الطوارئ، وقوامها “التنسيق الفوري بين مركز عمليات طوارئ الصحة التابع للوزارة والمستشفيات وأجهزة الإسعاف، من أجل المتابعة الحثيثة للإصابات وتوزيع الجرحى وتأمين علاجهم على نفقة الوزارة”.
يبقى شق الاتصالات والانترنت الذي يعيره اللبناني اهتماماً، فأيّ عمل يجري على هذا الخط؟
يؤكد المدير العام لهيئة “أوجيرو” عماد كريدية لـ”النهار” أن “جزءاً يسيراً من الأموال المقرة للهيئة في الموازنة العامة قد تأمنت، بعدما رفعنا الصوت، فيما المبالغ الأخرى ستتوافر تباعاً”.
وإن تم الاحتياط للشق المالي، فماذا عن الشق التقني وكيفية تأمين تواصل لبنان بالعالم في حال الحرب؟
يطمئن كريدية أن “الأولوية ستكون للدولة بأجهزتها وللطاقم الطبّي والإسعاف والدفاع المدني، ونحن في حالة جاهزية لحالة الطوارئ، بحيث نؤمن استمرارية تواصل الدولة وأجهزتها مع بقية العالم”.
وإذ يلفت الى أن “التجهيزات اكتملت على هذا الصعيد، وقد قمنا بتجارب ناجحة أيضاً”، يشير الى أنه “بالنسبة الى جميع اللبنانيين وإمكان الإبقاء على الاستفادة من الانترنت، فإن الأولوية، إذا توسعت الحرب، ستكون في تأمين الحماية لهم أولاً وحماية أنفسهم من أي خطر أو من أي سيناريو كارثي. وكما في كل دول العالم، في حالة الحروب الواسعة، ثمة خدمات ستتوقف حكماً”.
ويختم: “المهم أن يبقى الأمن والقطاع الصحي شغالاً. وهذا مؤمن”.
منال شعيا – النهار